صفحة رقم ٣٠٢
ولما كان لا يمتنع أن يكون الذين شابهوهم إنما كانوا بعدهم أو في زمانهم من قبل أن يبين فساد قولهم، نفى ذلك بقوله مشيراً بحرف الجر إلى أن كفرهم لم يستغرق زمن القبل :( من قبل ) أي من قبل ان يحدث منهم هذا القول، وهذا دليل على أن العرب غيروا دين إسماعيل عليه السلام، اجترؤوا على مثل هذا القول قبل إيقاع بخت نصر باليهود أو في حدوده، وليس ذلك ببعيد مع طول الزمان وإغواء الشيطان، فقد كان بين زمان إبراهيم وعزير عليهما السلام نحو ألف وخمسمائة سنة - هذا على ما ذكره بعض علماء أهل الكتاب عن كتبهم وأيده ما ذكره المسعودي من مروج الذهب في تاريخ ملوك بابل من نمرود إلى بخت نصر : وذكر بعض المؤرخين ان بين الزمنين زيادة على ألفي سنة علىأنهم قد نقلوا ما هو صريح في كفر العرب إلى أرض العراق الذين لا أغلاق لبيوتهم ويطأ بلادهم بالجنود فيقتل مقاتلتهم ويسبي ذراريهم ويستبيح أموالهم وأعلمه بكفرهم بي واتخاذهم الآلهة دوني وتكذيبهم أنبيائي ورسلي، وعن غير ابن الكلبي أنه نظم ما بين أبلة والايلة خيلاً ورجالاً ثم دخلوا على العرب فاستعرضوا كل ذي روح قدروا عليه، وأوصى الله برخيا وإرميا بمعد بن عدنان الذي من ولده نمحمد المختوم به النبوة، وكان ذكر مشابهتهم لأهل الشرك تحقيراً لشأنهم تجرئة على الإقدام عليهم إذ جعلهم مشابهين لمن دربوا قتالهم وضربوا عليهم فاذلوهم بعد ان كانوا في عزة لا يخشون زوالها، وعزائم شديدة لا يخافون انحلالها، كل ذلك بطاعة الله في قتالهم وطلب مرضاته بنزالهم لأنه عليهم، ومن كان عليه لم يفلح، وإلى مثل ذلك إشارة بقوله في حق هؤلاء :( قاتلهم الله ) أي أهلكهم الملك الأعظم، لأن من قاتله لم ينج منه، وقيل : لعنهم ؛ روي عن ابن عباس قال : وكل شيء في القرآن مثله فهو لعن ) أنى يؤفكون ) أي كيف ومن أين يصرفون عن الحق مع قيام الأدلة القاطعة عليه، ثم زادهم جرأة عليهم بالإشارة إلى ضعف مستندهم حيث كان مخلوقاً مثلهم بقوله :( اتخذوا ) أي كلفوا أنفسهم العدول عن الله القادر على كل شيء وأخذوا ) أحبارهم ) أي من علماء اليهود، والحبر في الأصل العالم من أيّ طائفة كان ) ورهبانهم ( اي من زهاد النصارى، واراهب في الأصل من تمكنتة الرهبة في قلبه فظهرت آثارها على وجهه ولباسه، فاختص في العرف بعلماء النصارى أصحاب الصوامع ) أرباباً ( اي آلهة لكونهم يفعلون ما يختص به الرب من تحريم ما حرموا وتحليل ما حللوا ؛ وأشار إلى سفول أمرهم بقوله :( من دون الله ) أي الحائز لجميع صفات الجلال، فكانوا يعولون