صفحة رقم ٣٠٩
عن الحول بلفظ يدور على معنى السعة إشارة إلى أنهم يفعلونه ولو لم يضطرهم إلى ذلك جدب سنة ولا عض زمان، بل بمجرد التشهي فقال :( عاماً ويحرمونه عاماً ( هكذا دائماً كلما أرادوا. وليس المراد أنهم كل سنة يفعلون ذلك من غير إجلال لسنة من السنين، وهذا الفعل نسخ منهم مع أنهم يجعلون النسخ من معايب الدين ) ليواطئوا ) أي يوافقوا ) عدة ما حرم الله ) أي المحيط بالجلال والإكرام في كون الأشهر الحرم اربعة ) فيحلوا ) أي فيتسبب عن هذا الفعل ان يحلوا ) ما حرم الله ) أي الملك الأعظم منها كلها، فلا يدع لهم هذا الفعل شهراً إلا انتهكوا حرمته فأرادوا بذلك عدم انتهاك الحرمة فإذا هم لم يدعوا حرمة غلا انتهكوها، فما ابعده من ضلال ولما انهتكت بهذا البيان قباحة فعلهم، كان كأنه قيل : إن هذا لعجب ما حملهم على ذلك ؟ فقيل :( زين ) أي زين مزين، وقرئ شاذاً الفعل إلى الله ) لهم سوء اعمالهم ( علم من طبعهم على الكفر فلم يهدهم ) والله ) أي الذي له صفات الكمال ) لا يهدي ( اي يخلق الهداية في القلوب ) القوم الكافرين ) أي الذي طبعهم على الكفر فهم عريقون فيه لا ينفكون عنه ؛ والنسيء - قال في القاموس - : الاسم من نسا الشيء بمعنى زجره وساقه وأخره، قال : وشهر كانت تؤخر العرب في الجاهلية فنهى الله عزوجل عنه ؛ وقال ابن الأثير في النهاية ؛ والنسيء فعول بمعنى مفعول، وقال ابن فارس في المجمل : والنسيء في كتاب الله التأخير، وكانوا إذا صدروا عن منى يقوم رجل من كنانة فيقول : أنا الذي لا يرد لي قضاء فيقولون : أنسئنا شهراً، اي أخر عنا حرمة المحرم واجعلها في صفر - انتهى.
ومادة نسأ تدور على التغريب، وسبب فعلهم هذا انهم كانوا ربما أرادوا قتالاً في شهر حرام فيحلونه، ويحرمون مكانه شهراً من أشهر الحل ويؤخرون ذلك الشهر ؛ قال ابن فارس : وذلك أنهم كانوا يكرهون أن يتوالى عليهم ثلاثة أشهر لا يغيرون فيها، لأن معاشهم في الغارة فيحل لهم الكناني المحرم - انتهى. وكان النسأة من بني فقيم من كنانة، وكان أول من فعل ذلك منهم القلمس وهو حذيفة بن عبد بن فقيم، وآخرهم الذي قام عليه الإسلام أبو ثمامة جنادة بن عوف بن امية بن قلع بن عباد بن حذيفة بن عبد فقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة ابن خزيمة. نسأ اربعين سنة، كانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه، فحرم الأشهر الحرم الأربعة، فإذا ارادوا ان يحل منها شيئاً أحل المحرم فأحلوه، وحرم مكانه صفراً فحرموه، ليواطئوا عدة الأربعة الشهر الحرم، فغذا أرادوا الصدر قام فيهم فقال : اللهم إني قد أحللت لهم أحد الصفرين الصفر الأول، ونسأت الاخر للعام المقبل - ذكر ذلك اهل السير، وعن ابن عباس رضي الله عنهما ان أول من نسأ عمرو بن لحي.


الصفحة التالية
Icon