صفحة رقم ٣١٠
وتحقيق معنى ما كانت العرب تفعله واختلاف اسماء الشهور به حتى يوجب دوران السنين فلا تصادف أسماء الشهور مسمياتها إلا الحين بعد الحين عسر قل من اتى فيه بما يتضح به قول النبي ( ﷺ ) في حجة الواداع كما مضى ( إن الزمان قد استدار كهيئته بوم خلق الله السماوات والأرض ) وها أنا أذكر فيه ما لا يبقى بعده لبس إن شاء الله تعالى، فمعنى قوله : ونسأت الآخر للعام المقبل، أنه إذا أحل المحرم وسماه صفراً ابتدأ السنة بعده بالمحرم ثم صفر إلى آخرها فيصير بين صفر وذي الحجة الذي وقع النسيء فيه شهران، وقد كان ينبغي ان يكون بينهما شهر واحد، فاخر هذا الذي ينبغي إلى العام المقبل، فالمعنى : وأخرت الصفرالآخر عن محله، ويمكن أن يتنزل على هذا مما تمسكت به من ملة إبراهيم عليه السلام، فربما احتاجوا إلى تحليل المحرم للحرب تكون بينهم، فيحرمون ويستجلون المحرم، وهذا هو النسيء الذي قال الله
٧٧ ( ) إنما النسيء ( ) ٧
[ براءة : ٣٧ ] الاية، وكان ذلك في كنانة هم الذين كانوا ينسؤون الشهور على العرب، والنسيء هو التاخير، فكانوا يمكثون بذلك زماناً يحرمون صفراً وهم يريدون بذلك المحرم ويقولون : هو أحد الصفرين، وقد تأول بعض الناس قول النبي ( ﷺ ) ( لاصفر ) على هذا، ثم يحتاجون ايضاً إلى تأخير صفر إلى الشهر الذي بعده كحاجتهم إلى تأخير المحرم فيؤخرون تحريمه إلى ربيع، ثم يمكثون بذلك ما شاء الله ثم يحتاجون إلى مثله ثم كذلك، فكذلك يتدافع شهر بعد شهر حتى استدار التحريم على السنة كلها، فقام الإسلام وقد رجع المحرم إلى موضعه الذي وضعه الله به، وذلكبعد دهر طويل، فذلك قول النبي ( ﷺ ) ( إن الزمان قد استدار كهيئته يمو خلق الله السماوات والأرض ) يقول : رجعت الأشهر الحرم إلى موضعها وبطل النسيء، وقد زعم بعض الناس أنهم كانوا يستحلون المحرم عاماً، فإذا كان من قابل ردوه إلى تحريمه، قال أبو عبيد : الأول أحب إليّ لقول النبي ( ﷺ ) ( إن الزمان قد استدار ) وليس في التفسير الأخير استدارة،