صفحة رقم ٣٢١
إلى ما أفعل، يعرف ذلك من كان متضلعاً بالسير وقصص بني إسرائيل على ما ذكرتها في الأعراف عن التوارة، مستحضراً لأن الصديق رضي الله عنه كان في صعودها إلى الغار يذكر الرصد فيتقدم النبي ( ﷺ ) يذكر الطلب فيتأخر ثم يذكر ما عن اليمين والشمال فينتقل إليهما، ويقول للنبي ( ﷺ ) : إن قتلت أنا فأنا رجل واحد، إن قتلت انت هلكت الأمة، وأنه كان عافاً بأن الله تعالى تكفل بإظفار الدين على يد رسول الله ( ﷺ ) المتضمن لحراسة نفسه الشريفة قبل ذلك، ولذلك كان به في هذا اليوم من القلق ما ذكر، وكان عند وفاة النبي ( ﷺ ) اثبت الناس، ولذلك أتى بالفاء المعقبة في قوله.
) فأنزل الله ) أي الملك الأعظم ) سكينته ( اي السكون المبالغ فيه المؤثر للنسك ) عليه ) أي الصديق - كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما - لأن السكينة لم تفارق النبي ( ﷺ )، ثم عطف على نصره الله قوله :( وأيده ( اي النبي ( ﷺ ) واختلاف الضمائر هنا لا يضر لأنه غير مشتبه ) بجنود لم تروها ) أي من الملائكة الكرام ) وجعل كلمة ) أي دعوة ) الذين كفروا ) أي أوقعوا الكفر من آمن منهم بعد ذلك وغيره ) السفلى ( فخيّب سعيهم ورد كيدهم، ثم ابتدأ الإخبار بما له سبحانه على الدوام من غير انقطاع أصلاً في يعقوب عطفاً على ماسبق ) هي العليا ) أي وحدها، لايكون إلا ما يشاءه دائماً ابداً، فالله قادر على ذلك ) والله ) أي المحيط يكل شيء قدرة وعلماً ) عزيز ( اي مطلقاً يغلب كل شيء من ذلك وغيره ) حكيم ( لا يمكن أن ينقض شيء من مراده لما ينصب من الأسباب التي لا مطمع لأحد في مقاومتها فلا محيص عن نفوذها ولما بلغت هذه الماعظ من القلوب الواعية مبالغاً هيأها به للقبول، اقبل عليها سبحانه بالأمر فقال :( انفروا خفافاً وثقالا ( والمراد بالخفة كل ما يكون سبباً لسهولة الجهاد والنشاط إليه، وبالثقل كل ما يحمل على الإبطاء عنه ؛ وقال أبو حيان : والخفة والقل هنا مستعار لمن يمكنه السفر بسهولة ومن يمكنه بصعوبة، وأما من لا يمكنه كالأعمى ونحوه فخارج عن هذا - انتهى.
قال البغوي : قال الزهري : خرج سعيد بن المسيب رحمه الله الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه فقيل له : إنك عليل صاحب ضرر فقال : استنفر الله الخفيف والثقيل، فإن لم يمكني الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع ؛ وروى أبو يعلى الموصلي في مسند بسند صحيح عن أنس ان أبا طلحة رضي الله عنهما قرأ سورة براءة فأتى على هذه الآية فقال : لا أرى ربي يستنفرني شاباً وشيخاً جهزوني، فمات فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة ايام فما تغير، ) وجاهدوا ) أي أوقعوا جهدكم ليقع جهد الكفار