صفحة رقم ٣٢٢
ولما كانت هذه الآية في سياق المعاتبة لمن تثاقل إلى الأرض عن الجهاد عند الاستنفار في غزوة تبوك، وكان سبب التثاقل ما كان في ذلك ما كان في ذلك الوقت امن العسرة في المال والشدة بالحر وما كان من طيب الظلال في أراضي الجنان وقت الأخذ في استواء الثمار - كما هو مشهور في السير ؛ اقتضى المقام هنا تقديم المال والنفس بخلاف ما مضى فإن الكلام كان في المفاضلة بين الجهاد في سبيل الله وخدمة البيت ومن يحجه في هذه السورة التي صادف وقت نزولها بعد مواطن الجهاد وطول المفارقة للاموال، والأولاد وقدم المال لأن النظر إليه من وجهيين : قتله، ومحبة الإقامة في الحدائق إيثار للتمتع بها وخوفاً من ضياعها مع ان بها قوام الأنفس، فصار النظر إليها هو الحامل على الشح بالأنفس فقال تعالى :( بأموالكم وأنفسكم أي بهما معاً على ما امكنكم أو باحدهما ) في سبيل الله ) أي الملك الأعلى اي حتى لا يبقى منه مانع ) ذلكم ) أي الأمر العظيم ) خير ) أي في نفسه حاصل ) لكم ) أي خاص بكم، ويجوز ان يكون أفعل تفضيل بمعنى أن عبادة المجاهد بالجهاد خير من عبادة القاعد بغير كائناً ما كان، تفتر وتصوم فلا تفطر ؟ وختم الآية بقوله :( إن كنتم تعلمون ( إشارة إلى ان هذا الأمر وغن كان عاماً فإنما ينتفع به ذوو الأذهان الصافية والمعالم الوافية، فإن العلم - ولا يعد علماً إلا النافع - يحث على العمل وعلى إحسانه باخلاص النية وتصحيح المقاصد وتقوية العزم وغير ذلك وضده يورث ضده.
التوبة :( ٤٢ - ٤٣ ) لو كان عرضا.....
) لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ( ( )
ولما كان هذا العتاب مؤذناً فيهم من تباطأ عن الجهاد اشتغالاً بنحو الأموال والأولاد، وكان ما اشتملت عليه هذه الآيات من الأوامر والزواجر والمواعظ جدير : بأن يخفف كل متثاقل وينشط كل متكاسل، تشوفت النفوس إلى ما اتفق بعد ذلك فأعلم سبحانه به في أساليب البلاغة المخبرة عن أحوال القاعدين وأقاصيص الجامدين المفهمة ان هناك من غلب عليه الشقاء فلم ينتفع بالمواعظ، فالتفت من لطف الإقبال إلى تبكيت المتثاقلين بأسلوب الإعراض المؤذن الغضب المحقق للسخط المبين لفضائحهم المبعثر لقبائحهم المخرج لهم ما دخلوا فيه من عموم الدعاء باسم الإيمان فقال :( لو كان ( اي ما تدعوا إليه ) عرضاً ( اي متاعاً دنيوياً ) قريباً ) أي سهل التناول ) وسفراً قاصداً ( أي