صفحة رقم ٣٢٣
وسطاً عدلاً مقارباً ) لا تبعوك ) أي لأجل رجاء العرض مع سهولة السفر لأن هممهم قاصرة ومنوطة بالحاضر ) ولكن ) أي لم يتبعوك تثاقلاً إلى الأرض ورضي بالفاني الحاضر من الباقي الغائب لأنها ) بعدت عليهم الشقة ) أي المسافة التي تطوى بذرع الأرجل بالمسير فيحصل بها النكال والمشقة فلم يواز ما يحصل لهم بها من التعب ما يرجونه من العرض، فاستأذنوك، وفي هذا إشارة إلى ذمهم بسفول الهمم ودناءة الشيم بالعجز والكسل والنهم والثقل، وإلى أن هذا الدين متين لا يحمله إلا ماضي الهم صادق العزم كما قال الشاعر :
إذا همَّ ألقى بين عينيه عزمه وأعرض عن ذكر العواقب جانبا
فلله در اولي العزائم والصبر على الشدائد والمغارم ولما ذمهم بالشح بالدنيا، أتبعه وصمهم بالسماح بالدين فقا مخبراً عما سيكون منهم علماً من أعلام النبوة :( وسيحلفون ) أي المختلفون باخبار محقق لا خلف فيه ) بالله ) أي الذي لا أعظم منه عند رجوعكم إليهم جمعاً إلى ما انتهكوا من حرمتك بالتخلف الذي يريدون به حياتها لأنهم كذبوا فيه فانتهكوا حرمة اسم الله ) والله ) أي والحال ان الملك الأعظم المحيط علماً وقدرة سبحانه ) يعلم إنهم لكاذبون ( فقد جمعوا بين إهلاك انفسهم والفضيحة عند الله بعلمه بكذبهم في انهم غير مستطيعين، وجزاء الكاذب في مثل ذلك الغضب المؤيد الموجب للعذاب الدائم المخلد.
ولما بكتهمعلى وجه الإعراض لأجل التخلف والحلف عليه كاذباً، اقبل إليه ( ﷺ ) بالعتاب فبي لذيذ الخطاب على الاسترسال في اللين لهم والائتلاف وأخذ العفو وترك الخلاف إلى هذا الحد، فقال مؤذناً بأنهم ما تخلفوا إلا بإذنه ( ﷺ ) لأعذار ادعوها كاذبين فيها كما كذبوا في هذا الحلف، مقدماً للدعاء على العتاب لشدة الاعتناء بشأنه واللطف به ( ﷺ ) :( عفا الله ) أي ذو الجلال والإكرام ) عنك ( وهذا كما كانت عادة العرب في مخاطبتهم لأكابرهم بأن يقولوا : أصلح الله الأمير، والملك - ونحو ذلك ولما كان من المعلوم أنه لا يأذن إلا لما يرى أنه يرضي الله من تألفهم ونحوه، بين أنه سبحانه يرضى منه ترك الإذن فقال كناية عن ذلك :( لم اذنت لهم ) أي في التخلف عنك تمسكاً بما تقدم من الأمر باللين لهم والصفح عنهم موافقاً لما جلبت عليه من محبة الرفق، وهذا إنما كان في أول الأمر لخوف التنازع والفتنة، وأما الآن فقد علا