صفحة رقم ٣٢٨
ولما كانت [ هذه ] صفة المصارحين بالكفر، بين أن المراد المنافقون بقوله :( وارتابت قلوبهم ) أي تابعت الوساوس وتعمدت المشي معها حتى تخلفت بالشك ؛ ولما كان الشاك لا يزال يتجاذبه حسن الفطرة وسوء الوسوسة، قال :( فهم ) أي فتسبب عن ذلك أنهم ) في ريبهم يترددون ) أي بين النفي والإثبات دأب المتحير لا يجزمون بشيء منهما وإن صدقوا ان الله موجود فإن المشركين يصدقون بذلك ولكنه لا ينفعهم للإخلال بشرطه، وليس استئذانهم في أن يجاهدوا لإدارة الجهاد بل توطئة لأن يقولوا إذا أمرتهم به : إنه لا عدة لنا في هذا الوقت فائذن لنا في التخلف حتى نستعد وقد كذبوا، ما ذلك بهم، إنما أنهم لا يريدون الخروج معك ) ولو أرادوا الخروج لأعدوا له ) أي قبل حلوله ) عدة ) أي قوة واهبة من المتاع والسلاح والكراع بحيث يكونون متصفين بما قدمت إليهم من التحريض على نحو ما وقع الأمر به في الأنفال فيكونون كالحاضرين في صلب الحرب الواقفين في الصف قد استعدوا لها بجميع عدتها ) ولكن ( لم يريدوا ذلك قط فلم يعدوا له عدة، فملا أمرت به شرعوا يعتلون بعدم العدة وما ذاك بهم، إنما مانعم كراهتهم للخروج وذلك بسبب أن ) كره الله ) أي ذو الجلال والإكرام بأن فعل فعل الكاره فلم يرد ) انبعاثهم ) أي سيرهم معك مطاوعة لأمرهم بذلك لما علم من عدم صلاحيتهم له ) فثبطهم ) أي حسبهم عنه حسباً عظيماً بما شغلهم بما بما حبب إليهم من اتكاب المشقات بسبب انهم لا البهيمية، فلما استولت عليهم الشهوات وملكتهم الأنفس الدنيات نودوا من قبلها : إلى أين تخرجون ؟ ) وقيل ) أي لهم لما أسرعوا الإقبال إليها ) اقعدوا ) أي عن جندي لا تصحبوهم، وفي قوله - :( مع القاعدين ) أي الذين شانهم ذلك كالمرضى والزمنى والصبيان والنساء - من التبكيت مالا يعلم مقداره إلا أولو الهمم العلية والأنفس الأبية، وعبر بالمجهول إشارة إلى أنهم يطيعون الأمر بالقعود حقيقة ومجازاً كائناً من كان كما انهم يعصون الأمر بالنفر كائناً من كان لأن انفسهم قابلة للدناياغير صالحة للمزايا بوجه.
ولما كان كأنه قيل : ما له ثبطهم وقد كنا قاصدين سفراً بعيداً وعدواً كثيراً شديداً فنحن محتاجون إلى الإسعاد ولو بتكثير السواد قيل :( ولو ) أي فعل ذلك بهم لأنهم لو ) خرجوا فيكم ( اي كانوا قليلاً معمورين بجماعاتكم ) ما زادوكم ) أي بخروجهم شيئاً من الاشياء ) إلا خبالا ) أي ما أتوكم بشيء زائد على ما عنكم من الأشياء غير الخبال، والاستثناء مفرغ والمستثنى منه - المقدر الثابت لهم الاتصاف به - هو الشيء،