صفحة رقم ٣٣٠
ولما أخبر سبحانه بذلك، وحث على قبول أخبارهم بما وصف به ذاته الأقدس من إحاطة العلم، شرع يقيم الدليل على ما قال بتذكيرهم بأشياء تقدمت مشاهدتها منهم، فقال معللاً لما أخبر به :( لقد ابتغوا ( أ أي طلبو طلباً عظيماً كلهم لكم ) الفتنة ) أي لتشتيتكم ) من قبل ) أي قبل هذه الغزوة في يوم أحد بكسر قلوب بكسر العسكر بالرجوع عنه حتى كاد بعضهم أن يفشل وفي المريسيع بما قال ابن أبيّ
٧٧ ( ) ليخرجن الأعز منها الأذل ( ) ٧
[ المنافقون : ٨ ] وفي غزوة الخندق بما وقع منهم من التكذيب في أخذ كنوز كسرى وقيصر والإرجاف بكم في نقض بني قريظة وغير ذلك كما صنعوا قبله في غزوة قينقاع والنضير في قصدهم تقوية كل منهم عليكم وفي غير ذلك من ايام الله التي عكس فيها قصودهم وأنعكس جدودهم ) وقلبوا ( اي تقليباً كثيراً ) لك الأمور ) أي التي لك فيها اذى ظهراً لبطن بإحالة الآراء وتدبير المكايد والحيل لعلهم يجدون فرصة في نقض امرك ينتهزونها أو ثغرة في حالة يوسعونها، وامتد بهم الحال في هذا المحال ) حتى جاء الحق ) أي الثابت الذي لا مراء في مزاولته مما تقدم به وعده سبحانه من إظهار الدين وقمع المفسدين ) وظهر امر الله ) أي المتصف بجميع صفات الكمال من الجلال ةالجمال حتى لا مطمع لهم في ستره ) وهم كاهرون ) أي لجميع ذلك فلم يبق لهم مطمع في محاولة بمواجهة ولا مخاتلة فصار همهم الآن الاعتزال والمبالغة في إخفاء الأحوال وستر الأفعال والأقوال.
ولما أجملهم في هذا الحكم، وكان قد اشار إلى منهم من كان قد استأذن في الخروج توطئة للاعتذار عنه، شرع فصلهم، وبدأالمفصلين بمن صرح بالاستئذان في القعود فقال عاطفاً على ( لقد ابتغوا ) :( ومنهم من يقول ) أي في جبلته نتجديد هذا فتنتى بالحزم بالأمر بالنفر فأفتتن إما بأن أتخلف فأكون مصارحاً بالمعصية أو أسافر فأميل إلى نساء بني الأصفر فأرتد عن الدين فأنه لا صبر لي عن النساء، وقائل ذلك هو الجد ابن قيس، كان من الأنصار منافقاً.
ولما أظهروا أنهم قصدوا البعد من شيء فغذا هم قد ارتكبوا فيه، انتهزت فرصة الإخبار بذلك على أبلغ وجه بإدخال ناف على ناف لتحصيل الثبوت الأكيد بإقرار المسؤول فقيل :( ألا في الفتنة سقطوا ) أي بما قالوا وفعلوا، فصارت ظرفاً لهم فوضعوا انفسهم بذلك في جهنم، وفي التعبير بالسقوط دلالة على انتشابهم في أشراك الفتنة انتشاباً سريعاً بقوة فصار يعسر خلاصهم معه ) وإن جهنم لمحيطة ( اي بسبب