صفحة رقم ٣٤٣
بعد وقوع الاستهزاء وثيوته تكذيباً لهم في قولهم : إنك إذن، بالمعنى الذي أرادوه، وبياناً لما في إظهارك لتصديقهم من الرفق بهم ) أبالله ) أي هو المحيط بصفات بصفات الكمال ) وآياته ) أي التي لا يمكن تبديلها ولا تخفى على ذي بصر ولا بصيرة ) ورسوله ) أي الذي عظمته من عظمته وهو مجتهد في إصلاحكم وتشرفكم وإعلائكم ) كنتم ) أي دائماً ) تستهزءون ( ولما حقق استهزاءهم، أنتج قوله :( لا تعتدروا ) أي لا تبالغوا في إثبات العذر، وهو ما ينفي الملام، فإن ذلك لا يغنيكم وإن اجتهدتم لأن القطع حاصل بأنكم ) قد كفرتم ) أي بقولكم هذا، ودل - على أن كفرهم احبط ما كان لهم من عمل - بنزع الخافض تشديداً على من نكث منهم تخويفاً له تحقيقاً بحال من أصر فقال :( بعد إيمانكم ) أي الذي ادعيتموه بألسنتكم صدقاً من بعضكم ونفاقاً من غيره.
ولما كان الحال مقتضياً لبيانما صاروا إليه بعد إكفارهم من توبتهم أو إصرارهم، بين أنهم قسمان : أحدهما مطبوع على قلبه ومقضي توبته وحبه، وهذا الأشرف هو المراد بقوله بانياً للمفعول إعلاماً بأن المقصود الأعظم هو الفعل، لا بالنظر إلى فاعل معين :( إن يعف ( لأن كلام الأعلى والأدنى ) عن طائفة منكم ) أي لصلاحيتها للتوبة ) تعذب طائفة ) أي قوم ذوو عدد فيهم أهلية الاستدارة، وقرأ عاصم ببناء الفعلين للفاعل على العظمة ) بأنهم ) أي بسبب أنهم ) كانوا مجرمين ) أي كسبهم للذنوب القاطعة عن الخير صفة لهم ثايته لا تنفك، فهم غير من المنافقين : اثبان يستهزئان بالقرآن والرسول، والآخر يضحك، قيل : كانوا يقولون : إن محمداً يزعم أنه يغلب الروم ويفتح مدائنهم، ما أبعده من ذلك وقيل : كانوا يقولون : إن محمداً يزعم أنه نزل في أصحابنا المقيمين في المدينة قرآن، وإنما هو قولهوكلامه، فأطلع الله نبيه ( ﷺ ) على ذلك فقال : احسبوا الركب عليّ، فدعاهم وقال لهم : قلتم كذا وكذا ؟ فقالوا :( إنما كنا نخوض ونلعب ( اي كنا نتحدث ونخوض في الكلام كما يفعل الركب لقطع الطريق باحديث واللعب، قال ابن اسحاق : والذي عفى عنه رجل واحد وهو مخشي بن حمير الأسجعي، يقال : هو الذي كان يضحك، ولا يخوض زكان يمشي مجانباً لهم وينكر بعض مايسمع، فلما نزلت هذه الآية تاب. قال : اللهم لا أزال أسمع آية تقرأ، تقشعر


الصفحة التالية
Icon