صفحة رقم ٣٥٩
قبله مواز لقوله في المنافقين ) نسوا الله فنسيهم ( وهو إشارة إلى أن الطريق وعر والأمر شديد عسر، فالسائر مضطر إلى الرحمة، وهي المعاملة بعد الغفران بالإكرام، لا قدرة له على قطع مفاوز الطريق إلا بها، ولا وصول له أصلاً من غير سببها ولما بين ان حال المؤمنين مبني على المولاة وكانت المولاة فقيرة إلى الإعانة قال :( إن الله ) أي الذي له الإحاطة الكاملة ) عزيز ) أي غالب غير مغلوب بوجه، فهو قادر على نصر من يوالي حزبه وأن ينيله من ثمرات الرحمة ما يريد من غير أن يقدر أحد على أن يحول بينه وين شيء من ذلك ) حكيم ) أي فلا يقدر أحد على نقض ما يحكمه وحل يبرمه، وفي ذلك أن المؤمنين لا يزالون منصوورين على كل مفسد ما داموا على هذه الخلال من الموالاة وما معها من حميد الخصال.
التوبة :( ٧٢ - ٧٤ ) وعد الله المؤمنين.....
) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ يأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ( ( )
ولم ختم الآية بوصف العزة والحكمة المناسب لافتتاحها بالمولاة وتعقيبها بآية الجهاد، وذلك بعد الوعد بالرحمة إجمالاً، أتبعها بما هو أشد التئاماً بها بياناً للرحمة وتفصيلاً لها ترغيباً للمؤمنين بالإنعام عليهم بكل ما رامه المنافقون بناقهم في الحياة الدنيا، وزادهم بأنه دائم، وأخبر بأن ذلك هو الفوز لا غير فقال :( وعد الله ) أي الصادق الوعد الذي له الكمال كله ) المؤمنين والمؤمنات ( اي الراسخين في التصديق بكل ما أتاهم به الرسول ( ﷺ ) ) جنات تجري من تحتها الأنهار ) أي فهى لا تزال خضرة ذات بهجة نضرة ؛ ولما كان النعيم لا يكمل إلا بالدوام، قال :( خالدين فيها ( كانت الجنان لا تروق إلا بالمنازل والدور الفسيحة والمعازل قال :( ومساكن طيبة ( ولما كان بعض الجنان أعلى من بعض، وكان أعلاها ما شرف بوصف العندية المؤذن بالقربمن بنائه مما يؤكد معنى الدوام، قال :( في جنات عدن ) أي إقامة دائمة وهناء وصحة جسم وطيب مقر وموطن ومنبت، وذلك كما قال في حق أضدادهم ) عذاب مقيم ( وما أنسب ذكر هذه الجنة في سياق التعبير بالوصف المؤذن بالرسوخ فإنه ورد في الحديث أنها خاصة بالنبيين والصديقيين والشهداء.
ولما كان ذلك لا يصفو عن الكدر مع