صفحة رقم ٣٦٢
عليهم، ورهبهم بأنه لا مرد لما يريد من العذاب بقوله :( فإن يتوبوا ( ولما كان المقام جديراً بأن يشتد تشوف السامع إلى معرفة حالهمفيه، حذف نون الكون اختصاراً تبيهياً على ذلك فقال ) يك ( اي ذلك ) خيراً لهم ( من إصرارهم.
ولما كان للنفوس من اصل الفطرة الأولى داعية شديدة إلى المتاب، وكان القرآن في وعظه زاجراً مقبول العتاب عظيم الأخذ بالقلوب والعطف للألباب، أشار إلى ذلك بصيغة التفعيل فقال :( وإن يتولوا ) أي يكلفوا أنفسهم الإعراض عن المتاب ) يعذبهم الله ) أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً بحوله وقوته ) عذاباً أليماً ) أي لا صبر لهم عليه ) في الدنيا ) أي بما هم فيه من الخوف والخزي والكلف وغيرها ) والآخرة ) أي بالعذاب الأكبر الذي لا خلاص لهم منه ) وما لهم في الأرض ) أي التي لا يعرفون غيرها لسفول هممهم ) من وليّ ) أي يتولى أمورهم فيصلح ما أفسد العذاب منهم أو يشفع لهم ) ولا نصير ) أي ينقذهم ؛ وأما السماء فهم أقل من أن يطمعوا منها بشيء ناصر أو غيره وأغلط أكباداً من أن يرتقي فكرهم إلى ما لها من العجائب وما بها من الجنود ؛ وسبب نزول الآية على ما قال ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي ( ﷺ ) كان جالساً في ظل شجرة فقال : سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان، فإذا جاء فلا تكلموه، فلم يلبثوا أن طلع رجل أرزق فدعاه رسول الله صلى اله عليه وسلم فقال : علام تشتمني انت وأصحابك ؟ فانطلق الرجل فجاء بأصحابه فحلفوا بالله.
ما قلوا، فأنزل الله الآية ؛ وقال الكلبي : نزلت في الجلاس بن سويد، وذلك أن رسول الله ( ﷺ ) خطب ذات يوم بتبوك فذكر المنافقين فسماهم رجساً وعابهم فقال الجلاس : لئن كان محمداً لصادق وأنتم شر من الحمير، فلما انصرف رسول الله ( ﷺ ) إلى المدينة أتاه عامر بن قيس فأخبره بما قاله الجلاس، فقال الجلاس : كذب عليّ يا رسول الله فأمرهما رسول الله ( ﷺ ) أن يحلفا عند المنبر فقام الجلاس عند بعد العصر فحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما قاله ولقد كذب علي عامر، وقام عامر فحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما قاله ولقد ثم رفع عامر رضي الله عنه يديه إلى السماء فقال : اللهم انزل على نبيك تصديق الصادق منا، فقال النبي ( ﷺ ) والمؤمنون آمنين فنزل جبريل عليه السلام قبل أن يتفرقا بهذه الآية حتى بلغ ) فغن تبوبوا يك ( اي التوب ) خيراً لهم ( فقام الجلاس فقال : يا رسول الله اسمع الله قد عرض عليّ التوبة، صدق عامر بن قيس فيما قاله، لقد قلته،