صفحة رقم ٣٦٩
كانوا ) أي المنافقون ) يفقهون ) أي لو كان لهم فهم يعلمون به صدق الرسول وقدرة مرسله على ما توعد به لعلموا ذلك فما كانوا يفرون من الحر إلى أشد حراً منه، لأن من فر منحر ساعة إلى حر الأبد كان أجهل الجهال، وقال أبو حيان : لما ذكر تعالى ما ظهر من النفاق والهزء من الذين خرجوا معه إلى غزوة تبوك من المنافقين ذكر حال المنافقين الذين لم يخرجوا معه، بعني في قوله ) فرح المخلفون ( - انتهى. فتكون الآية حيئنذ جواباً لمن كأنه قال : هذه أحوال من خرج فما حال من قعد ؟ وقد خرج بما في هذه الآية من الأوصاف كعب بن مالك ورفيقاه رضي الله عنهم ونحوهم ممن لم يفرح بالقعود ولا اتصف بما ذكر معه من أوصافهم.
ولما كان غاية السرور الضحك، وكان اللازم لهم في الآخرة البكاء في دار الشقاء الذي هو غاية الحزن لهم، فيها زفير وشهيق وهم يصطرخون فيها، قال تعالى مهدداً لهم مسبباً عن قبيح ما ذكر من فعلهم مخبراً في صورة الأمر إيذاناً بأنه أمر لا بد من وقوعه :( فليضحكوا قليلاً ( اي فليتمتعوا في هذه الدار بفرحتهم بمقعدهم التمتع الذي غاية السرور به الضحك - يسراً، فإنها دار قلعة وزوال وانزعاج وارتحال ) وليبكوا كثيراً ) أي في نار جهنم التي أغفلوا ذكر حرورها وأهملوا الاتقاء من شديد سعيرها بدل ذلك الضحك القليل كما استبدلوا حرها العظيم بحر الشمس الحقير ) جزاء بما كانوا يكسبون ) أي من الفرح بالمعاصي والسرور بالشهوات والانهماك في اللذات ولما كان المسرور بشيء الكاره لضده الناهي عنه لا يفعل الضد إلا تكلفاً ولا قلب له، إليه وكان هذا الدين مبنياً على العزة والغنى، أتبع ذلك بقوله مسبباً عن فرحهم بالتخلف :( فإن رجعك الله ) أي الملك الذي له العظمة كلها فله الغنى المطلق عن سفرك هذا ) إلى طائفة منهم ) أي وهم الذين يمد الله في اعمارهم إلى أن ترجع إليهم، وهذا يدل على أنه أهلك سبحانه في غيبته بعضهم، فأردت الخروج إلى سفر آخر ) فاستأذنوك ( اي طلبوا ان تأذن لهم ) للخروج ) أي معك في سفرك ذلك ) فقل ( عقوبة لهم وغنى عنهم وعزة عليهم ناهياً لهم بصيغة الخبر ليكون صدقك في علماً من اعلام النبوة وبرهاناً من براهين الرسالة ) لن تخرج معي أبداً ) أي في سفر من الأسفار لأن الله قد أغناني عنكم وأحوجكم إليّ ) ولن تقابلوا معي عدواً ( لأنكم جعلتم أنفسكم في عداد ربات الحجال ولا تصلحوا لقتال ؛ والتقييد بالنعية كما يؤذن باستثقالهم يخرج ماكان بعده صلى اله عليه وسلم مع أصحابه رضي اله عهنم من سفرهم وقتالهم ولما أخزاهم سبحانه بما أخزوا به أنفسهم ؟، علله بقوله :( إنكم رضيتم بالقعود ) أي عن التشرف بمصاحبتي، ولما كانت الأوليات أدل على تمكن الغرائز من الإيمان