صفحة رقم ٣٧٨
جميع صفات الكمال ) عليم ) أي بالغ العلم بكل شيء ) حكيم ) أي بالغ الحكمة فهو يضع الأشياء في أتم محالها.
ولما أثبت هذا الوصف لهذا الصنف بين أن أفراده انقسموا إلى من ثبت على ما هو الأليق بحالهم، وقسم نزع إلى ما هو الأليق باهل المدر، كما انقسم أهل المدر إلى مثل ذلك، وبدأبالخبيث لأنه الأصل فيهم فقال :( ومن الأعراب ) أي المذكروين ) من يتخذ ) أي يتكلف غير ما تدعو إليه الفطرة الأولى من الأريحية والهمم العلية بأن يعد ) ما ينفق مغرماً ( اي فلا يبذله إلا كرهاً ولا يرى له فائدة أخروية بل يراه مثل الصنائع بالنهب ونحوه ) ويتربص ) أي يكلف نفسه الربص، وهو أن يسكن ويصبر وينتظر ) بكم الدوائر ( اي الدواهي التي تدور بصاحبها فلا يتخلص منها، وذلك ليستريح من الإنفاق وغيره مما ألزمه به الدين.
ولما تربصوا هذا التربص، دعا عليهم بمثل ما تربصوا فقال :( عليهم دائرة السوء ) أي دائماً لا تنفك إما لا تنفك إما بإذلال الإسلام وإما بعذاب الاصطلام، فهم فيما أرادوه بكم على الدوام، وقراءة ابن كثير عمرو بضم السين على أن معناه الشر والضر، وقراءة الباقين بالفتح على أنه مصدر، فهو ذم للدوائر.
ولما كان الانتقام من الأعداء وإيقاع البأس ببهم لا يتوقف من القادر غالباً إلا على سماع اخبارهم والعلم بها، جرت سنته تعالى في ختم مثل بقوله :( والله ) أي الملك الأعلى الذي له الإحاطة الكاملة ) سميع ( يسمع ما يقولون ) عليم ) أي فهو يعلم ما يضرون عطفاً على نحو أن يقال : فالله على كل شيء قدير، ونحوه قوله ) إنني معكما أسمع وأرى (
التوبة :( ٩٩ - ١٠٠ ) ومن الأعراب من.....
) وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( ( )
ولما افتتح الاية الثانية بقوله :( ومن الأعراب من يؤمن ( اي لا يزال يجدد إيمانه آثار الدين ) بالله واليوم الآخر ( علم ان القسم الول غير مؤمن بذلك، وإنما وقع منهم الإقرار باللسان من غير إذعان، والإيمان هو الأصل الذي يترتب عليه الإنفاق عن طيب نفس لما يرجى من ثوابه في اليوم الآخر الذي لولا هو انتفت الحكمة من هذا الخلق


الصفحة التالية
Icon