صفحة رقم ٣٨٨
كونه بنى هذا البناء هكذا، فأجيب بانه لا عجب لأن الأمر بيد الله، لا مفر من قضائه، وهو قد هدى الأول غلى ما فيه صلاحه، ولم يهد الثاني لما علم فيه من عدم قابلية الخير ) والله ( الذي له صفات الكمال ) لا يهدي القوم ) أي الذين لهم قوة المحاولة لما يريدون ) الظالمين ) أي المطبوعين على ظلام البصائر، فهم لا يكفرون في شيء إ لا جاء في غير موضعه وعلى غير نظام كخطوات الماشي في الظلام، وقد علم ان الاية من ثانياً، واثبت ثانياً ضعف البناء حساً لن مسجد الضرار أولى به، فدل على حذف ضده أولاً، فذكر النهاية المعقولة لأهلها والبداية المحسوسة للناظرين لها ؛ وروي عن جابر رضي الله عنه قال : رأيت الدخان من مسجد الضرار ؛ وحكي عن خلف بن يسار انه راى فيه حجراً يخرج منه الدخان في اول دولة بني العباس.
ولما كان ما تقدم غير قاطع في إخرابه لما ثبت للمساجد من الحرمة، استأنف الإخبار عن أنه لا يعد في عداد المساجد بوجه، وإنما هو في عداد بيوت الأنام فهو واجب الإعدام فقال :( لا يزال بنيانهم ( نفس المبنى وهو المسجد ) الذي بنوا ريبة ) أي شكاً ونفاقاً ) في قلوبهم ( كما بيوت الصنام كذلك لأهلها، فكان ذلك حثاً على إخرابه ومحوه وقطع اثره.
والمعنى انه جامع لهم على الريبة في كل زمان يمكن أن يكون ) إلا أن ( ولما كان القطع محصلاً للمقصود من غير نظر إلى قاطع معين، قال بانياً للمفعول :( تقطع قلوبهم ) أي إلا يوجد فيه القطع البليغ الكثير لقلوبهم وعزائمهم ويباعد بينهم ويفرق شملهم بإخراجه، وقراءة يعقوب ب ( إلى ) الجارة واضحة في المراد، أو يكون المراد أنه لايزال حاملاً لهم على التصميم على النفاق إلى أن يموتوا، فهو كناية عن عدم توبتهم.
ولما كان التقدير : فالله عليم بما اخبركم به فلا تشكوا فيه، عطف عليه تعميماً للحكم وتعظيماً للأمر قولهك ) والله ( اي الذي له الإحاطة بكل شيء ) عليم ) أي بالغ العلم بكل معلوم ) حكيم ( فهو يتقن ما يأمر به.
ولما تقدم افنكار على المتثاقلين عن النفر في سبيل الله في قوله تعالى
٧٧ ( ) ما لكم إذا قيل لكم انفروا ( ) ٧
[ التوبة : ٣٨ ] ثم الجزم بالأمر بالجهاد بالنفس والمال في قوله
٧٧ ( ) انفروا خفافاً وثقالاً ( ) ٧
[ لبتوبة : ٤١ ] وكان امره تعالى كافياً للمؤمن الذي صدق إيمانه بافسلام في امتثاله لذلك في منشطه ومكرهه، وكان كثير منهم قد فعلوا بتثاقلهم ما يقدح في غيمانهم طعماً في ستره بمعاذيرهم وإيمانهم، اقتضى المقام تبكيت المتثاقلين وتأنيب المنافقين على وجه مهتك لأستارهم مكشف لأسرارهم، فلما استوفى تعالى في