صفحة رقم ٣٨٩
ذلك اقسامهم، ونكس الويتهم وأعلامهم وختمهم بهذه الطائفة التي ظهر فيها امتثاله صلى اله عليه وسلم لقوله تعالى ) جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ( بأن هدّ مسجدهم وحرقة بالنار وأزال بنيانه وفرقة، وقدّ اديمه عن جديد الأرض ومزقه، اتبع ذلك سبحانه بتذكير المؤمنين ما أمرهم به في قوله تعالى ) قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ( وقوله ) انفروا خفافا وثقالاًً ( ليفعلوا فيه ما فعله رسول الله ( ﷺ ) فيما امره به، فساق مساق الجواب لسؤال من كأنه قال : لقد طال المدى وعظم الخطب في هذه السورة في إبانة الفضائح وهتك السرائر وإظهار القبائح، فلم فعل ذلك وقد جرت عادته بالأمر بالستر واخذ العفو ؟ قوله :( إن الله ( اي الملك الذي لا ملك في الحقية غيره ولا يخشي إلا عذابه ولا يرجى إلا خيره ) اشترى ) أي بعهود اكيدة ومواثيق اكيدة ومواثيق غليظة شديدة، ولذلك عبر بما يدل على اللجاج فيها فقال :( من المؤمنين ) أي بالله وما جاء من عنده، وقدم النفس إشارة إلى المبايعة سابقة على امتساب المال فقال مقدماً للأعز :( أنفسهم ) أي التي تفرد بخلقها ) وأموالهم ) أي التي تفرد برزقها وهويملكها دونهم.
ولما ذكر المبيع اتبعه الثمن فقال :( بأن لهم الجنة ) أي خاصة بهم مقصورة عليهم، لا يكون لغير مؤمن، فيميزهم حتى يقابل كل ما يستحقه، فكأنه قيل : اشترى منهم ذلك بماذا ؟ فقيل :( يقلتلون في سبيل الله ( اي الملك الأعلى بسبب دينه الذي لا يرضي غيره، قتالاً يكون الدين محيطاً به وظرفاً، فلا يكون فيه شائباً لغيره ؛ ثم سبب عن ذلك ما هو حقيق به، فقال :( فيقتلون و يقتلون ) أي الملك الأعلى من يكون ذلك بالقوة أو بالفعل، فيخصمهم بالحنة كما وعدهم، وقراءة حمزة ةاكسائي بتقديم المبني للمفعول أمدح، لأن من طلب الموت - لا يقف له خصمه فيكون المعنى : فطلبوا ان يكونوا مقتولين فقتلوا اقرانهم، ويجوز أن يكون النظر إلى المجموع فيكون المعنى انهم يقاتلون بعد رؤية مصارع اصحابهم من غير ان يوهنهم ذلك، وعن بعض الأعراب انهلما سمع هذه الاية قال : بيع والله مربح لا نقيل ولا نستقيل، فخرج إلى الغزو فاستشهد.
ولما كان القتل لكونه سبباً للجنة بشارة ووعداً، أكد ذلك بقوله :( وعداً ( وزاده بحرف افيجاب فقال :( عليه ( واتم التأكيد بقوله :( حقاً ( ولما أكد هذه المبايعة الكريمة هذه التأكيدات العظيمة، زاد ذلك بذكره في جميع الكتب القديمة فقال :( في التوراة ( كتاب موسى عليه السلام ) والإنجيل ( كتاب عيسى عليه السلام ) والقرآن ( اي الكتاب الجامع لكل ما قبله ولكل خير، وهؤلاء المذكورون في ذه السورة كلهم ممن ادعى الإيمان وارتدى به حلل الأمان، ثم إنهم فعلوا بتخلفهم عن الإقباض وتوقفهم عن الإسراع والإيقاض وغير ذلك من اقوالهم ومساوئ أفعالهم فعل الكاذب في دعواه أو