صفحة رقم ٣٩٠
الشاك أعم من أن يكون شك في وعد الله بإيراثهم إياها بتخصيصهم بها، وجوز أن يدخلها غيرهم وطمع ان يكون هو ممن يدخلها مع التكذيب، والله تعالى منزه عن جميع ذلك وهو وفي بعهده ) ومن ) أي وعد بذلك والحال أنه أوفى المعاهدين فهو مقول فيه على طريق الاستفهام افنكاري : من ) اوفى بعهده من الله ) أي الذي له جميع صفات الككمال لأن الإخلاف لا يقدم عليه الكرام من الناس فكيف بخالقهم الذي له الغنى المطلق.
ولما كان ذلك سبباً للتبشير، لأنه لا ترغيب في الجهاد أحسن منه، قال مهنئاً لهم :( فاستبشروا ) أي فأوجدوا في نفوسكم غايةالبشر يا معشر المجاهدين ولما ذكره في ابتداء العقد يدل على التأكيد، ذكره في آخر بلفظ يدل على السعة إشارة إلى سعة الجزاء فقال :( ببيعكم الذي بايعتم ) أي اوقعتم لله ) به ( فإنه موفيكم لا محالة فذلك حو الأجر الكريم ) وذلك ) أي إيراثكم الجنة وتخصيصكم بها ) هو ) أي خاصة لا غيره ) الفوز العظيم ( فالحاصل أن هذه الاية واقعة موقع واقعة موقع التعليل للأمر بالنفر بالنفس والمال.
التوبة :( ١١٢ - ١١٤ ) التائبون العابدون الحامدون.....
) التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ( ( )
ولما ثبتت المعاقدة وأحكامها، وصف المعاقدين على طريق المدح للحث على اوصافهم فقال :( التآئبون ( مبتدئاً أوصافهم بالتوبة التي هي أساس العمل الصالح، ثم ابتدأ المؤسس بمطلق العبادة الشاملة لجميع انواع الدين من العلم وغيره فقال :( العابدون ) أي الذين أقبلوا على العبادة فأخلصوها لله ؛ ولما كان التزام الدين لا يعرف إلا بالإقرار باللسان، أتبع ذلك الحمد الذي تدور مادته على بلوغ الغاية الذي من جملته الثناء اللساني بالجميل الشامل للتوحيد وغيره فقال :( الحامدون ( ي المثنون عليه سبحانه ثناء عظيماً، تطابقت عليه السنتهم وقلوبهم فتبعته آثاره ؛ ولما كان الإقرار باللسان لا يقبل إلا عند مطابقة القلب، نلاه بالسياحة التي تدور بكل ترتيب على الاتساع الذي منه إصلاح القلب ليتسع للتجرد عن ضيق المألوفات إلى فضاء الخضرات الإلهيات