صفحة رقم ٣٩١
فقال :( السائحون ( ولما كانت الصلاة نتيجة ذلك لكونها لعمل القلب واللسان وغيرهما من الأركان، وهي أعظم موصل إلى بساط الأنس في حضرات القدس وأعلى مجرد عن الوقوف مع المألوف.
وكان أول مراتب التواضع للعادة إلا الركوع والسجود، أشار وغايتها السجود، وكان جميع أشكال الصلاة مووافقاً للعادة إلا ركوع فيها، وأتمها ) الراكعون ( فبين أن تمام هذه البشرى لهذه الأمة ان صلاة غيرهم لا ركوع فيها، وأتمها بقوله :( الساجدون ( ولما كان الناصح لنفسه بتهذيب لسانه وقبه وجميع جوارحه لا يقبل إلا إذا بذل الجهد في نصيحه غيره كما صرح به مثال السفر في السفينة ليحصل المقصود من الدين وهو جمع الكل على الله المقتضي للتعاضد والنتناصر الموجب لدوام العبادة والنصرة وبذلك يتحقق التجرد عن كل مألوف مجانس وغير مجانس، أتبع ذلك قوله :( الآمرون بالمعروف ) أي السنة.
ولما كان الدين متيناً فلن يشاده أحد إلا غلبة، كان المراد من المأمورات مسماها دون تمامها ومنتهاها ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) والمراد من المنبهات تركها كلها، ومن الحدود الوقوف عندها من غير مجاوز ( وإذا نيتكم عن شيء فاجتنبوه ) رواه البخاري في الاعتصام من صحيحه ومسلم ايضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه، وكانت العرب - كما تقدم في البقرة عند قوله تعالى
٧٧ ( ) الصلاة الوسطى ( ) ٧
[ البقرة : ٢٣٨ ] وفي آل عمران عند قوله
٧٧ ( ) الصابرين والصادقين ( ) ٧
[ آل عمران : ١٧ ] عن الأستاذ أبي الحسن الحرالي - إذا أتبعت بعض الصفات بعضاً من غير عطف علم أنها غير تامة، فإذا عطفتها أردت التمكن فيها والعراقة والتمام، فأعلم سبحانه ان المراد فيما تقدم من الأوصاف الإتيان بما أمكن منها، فأتى بها اتباعاً دون عطف لذلك، وأشار إلى ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والوقوف عند الحدود لا يقنع منه إلا بالتمام لأن المقصر في شيء من ذلك إما راض بهدم الدين وغما هادم بنفسه، فيجب التجرد التام فيه لأن النهي أصعب أقسام العبادة لأنه متعلق بالغير وهو مثير للغضب موجب للحمية وظهور الخصومة، فربما كان عنه ضرب وقتل، فلذلك عطفها ولم يتبعها فقال :


الصفحة التالية
Icon