صفحة رقم ٣٩٢
) والناهون ) أي بغاية الجد ) عن المنكر ) أي البدعة.
ولما كان فاعل الخير لا ينفعه فعله إلا باستمراره عليه إلى الموت أتبعه قوله :( والحافظون ) أي بغاية العزم والقوة ) لحدود الله ( اي الملك العظم التي حدها في هذا الشرع القيم فلم يتجاوزوا شيئاً منها، فختم بما به بدأ مع قيد الدوام بالرعي والقوة، والحاصل أن الوصف الأول للتجرد عن ربقة مألوف خاص وهو شرك المعصية بشركه أو غيره، والثاني للتجرد عن قيود العادات إلى قضاء العبادات، والثالث لبلوغ لاغاية في تهذيب الظاهر.
والرابع للتوسع إلى التجرد عن قيود الباطن، والخامس والسادس للجمع بين كمال الباطن والظاهر، والسابع للسير إلى إفاضة ذلك على الغير، والثامن للدوام على تلك الحدود بترك جميع القيود.
فمقصود الآية العروج من الحضيض الجسماني إلى الشرف اروحاني ؛ ثم أمره ( ﷺ ) بتبشير المتخلق بهذه الأوصاف عاطفاً لأمره به على محذوفتقدره - والله أعلم : فأنذر من تخلى منها بكل ما يسءه بعد سجنه في دار الشقاوة فإنه كافر وبشرهم، أي هؤلاء الموصوفين، هكذا كان الأصل الإضمار، ولكنه أظهر ختاماً بما به بدأ وتعليقاً يالوصف وتعميماً فقال :( وبشر المؤمنين ) أي المتخلقين بها بكل ما يسرهم بعد تخصيصهم بدار السعادة، وفي الآيتين بالبشارة تارة من الخالق وتارة من أكمل الخلائق أعظم مزية للمؤمنين، وفي جعل الأولى من الله أعظم ترغيب في الجهاد واعلى حث على خوض غمرات الجلاد، وفي ابتداء الأيتين بالوصف المعشر بالرسوخ في الإيمان الذي هو الوصف المتمم للعشر وختمهما بمثله إشارة إلى أن هذه مائدة لا يخلس عليها طفيلي، وأن من عدا الراسخين في درجة الإهمال لا كلام معهم ولا التفات بوجه إليهم.
ولما كثرت في هذه السورة الأوامر بالبراءة من أحياء المشركين وجاء الأمر أيضاً بالبراءة من أموات المنافقين بالنهي عن الدعاء لهم، جاءت هذه الآية مشيرة إلى البراءة من كل مشرك فوقع التصريح بعدها بما أشارت إليه، وذلك أنه لما ثبت بهذه الآية في تقديم الجار أن المبايعة وقعت على تخصيص الجنة بالمؤمنين وأنه تعالى أوفى من عاهد، ثبت أنه لا يجوز أن يدخل غيرهم الجنة وأن غيرهم أصحاب النار، لأنه قد علم أن الآخرة داران : جنة ونار : ولما ثبت هذا كله علم قطعاً علم النتيجة من المقدمات الصحيحة أنه ) ما كان ) أي في نفس الأمر ) للنبي ) أي الذي لا ينطق إلا بما عنده فيه بيان من الله ) والذين آمنوا ) أي أقروا بأنهم صدقوا بدعوته فلا يفعلون إلا ما عندهم منه علم ) ان يستغفروا ) أي يطلبون المغفرة ويدعوا بها ) للمشركين ) أي الراسخين في الإشراك في عبادة ربهم ) ولو كانوا ( اي المشركين ) أولي قربى ( اي للذين آمنوا ) من


الصفحة التالية
Icon