صفحة رقم ٣٩٦
ولما أشار إلى أنه هو وليهم أحياهم بروح منه مبين لهم ما يصلحهم وأنه لا ولي لهم غيره، أقام الدليل على ذلك بقوله :( لقد تاب الله ( اي الذي له الجلال والإكرام ) على النبي ) أي الذي لا يزال عنده من الله خبر عظيم يرشده إلى ما يؤذن بتقوية حياته برفع درجاته، فما من مقام يرقيه إليه إلا رأى أنه لمزيد علوه وتقربه للمقام الذي كان دونه، فهو في كل لمحة في ارتفاع من كامل إلى أكمل إلى ما لا نهاية له.
ولما أخبر تعالى بعلو رتبة النبي ( ﷺ ) بترقيته في رتب الكمالات والأكمليات إلى ما لا نهاية له على وجه هو في غاية البعث لكل مؤمن على المبادرة إلى التوبة، أكد ذلك بقوله :( والمهاجرين والأنصار ( بمحو هفواتهم ورفع درجاتهم ) الذين اتبعوه ) أي النبي صلى اله عليه وسلم ) في ساعة العسرة ) أي أزمنة عزوة تبوك، كانوا في عسرة من الزمان بالجدب والضيقة الشديدة والحر الشديد، وعسرة من الظهر ( يعتقب العشرة ) على بعير واحد.
وعسرة من الزاد ( تزودوا التمر المدوّد والشعير المسوّس والإهالة الزنجية ) وبلغت بهم الشدة أن اقتسم التمر اثنان، وربما مصها الجماعة ليشربوا عليها الماء، وفي عسرة من الماء حتى نحروا الإبل واعتصروا فروثها ؛ وسماها ساعة تهويناً لأوقات الكروب وتشجيعاً على مواقعة المكاره من حالهم قبلها، وأشار سبحانه إلى تفاوتهم في الثبات على مقامات عالية، ترقوا بالتوبة إلى أعلى منها، وفي قبول وساوس أبعدتهم التوبة عن قبولها بقوله :( من بعد ما كاد ( أيقرب قرباً عظيماً ) تزيغ ) أي تزول عن أماكنها الموجبة المقام للزلازل، ناسب التعبير بما منه الانقلاب والفرقة فقال :( قلوب فريق ) أي هم بحيث تحصل منهم الفرقة لما هناك من الزلازل المميلة ) منهم ) أي من عظيم ما نالهم من الشدائد إلى بني الأصفر الملوك الصيد الأبطال الصناديد، وهم ملء الأرض كثرة وقدر الحصى عدة ومثل الجبال شدة، ثم عزم الله له فلحق برسول الله ( ﷺ ) فرجع سبحانه بالجميع إلى ما كانوا عليه قبيل مقاربة الزيغ من مباعدته، ولما صاروا كمن لم يقارب الزيغ. أعلاهم إلى مقام آخر عبرعن عظمته بأداة التراخي فقال :( ثم تاب عليهم ) أي كلهم تكريراً للرفعة، أو على من كاد يزيغ بالثبات على مباعدة الزلات وبالترقي في أعالي الدرجات إلى الممات ؛ ونقل أبو حيان عن الحسن أن زيغها همها بالانصراف لما