صفحة رقم ٣٩٨
خلفهم رسول الله ( ﷺ ) بالهجران ونهى الناس عن كلامهم، وأخر الحكم فيهم ليأتي أمر الله في بيان أمرهم واستمر تخليفهم ) حتى إذا ضاقت ( اشار إلى عظيم الأمر بأداة الاستعلاء فقال :( عليهم الأرض ( اي كلها ) بما رحبت ( اي مع شدة اتساعها، أي ضاق عليهم ووسعها.
ولما كان هذا قد يراد به الحقيقة، وكان ضيق المحل قد لا يستلزم الصدر، أتبعه الدلالة على أن المراد المجاز فقال :( وضاقت عليهم ( بالهم المزعج والغم المقلق ) أنفسهم ) أي من شدة ما لاقوا من الهجران حتى بالكلام حتى برد السلام ؛ ولما كان ذلك لا يقتضي التوبة إلا بالمراقبة، أتبعه ذلك للتخلف بها قوله :( وظنوا ) أي أيقنوا، ولعله عبر بالظن إيذان بأنهم لشدة الحيرة كانت قلوبهم لا تستقر على حال " فكان يقينهم لشدة الخواطر كأنه ظن، أو يقال - وهو حسن - : إن التعبير به عن يقين المخلصين إشارة إلى أن أعلى اليقين في التوحيد لا يبلغ الحقيقة على ما هي عليه أن لا يقدر أحد ان يُقدر لله حق قدره - كما قال صدق الخلق ( ﷺ ) ( لا أحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك ) وهذا من النفائس فاستعمله في أمثاله ) إلا إليه ( اي بما يرضيه، وهو مثل لتحيرهم في أمرهم، وجواب ) إذا ( محذوف دل عليه صدر الكلام تقديره : تداركهم بالتوبة فردهم إلى ما كانوا عليه قبل مواقعة الذنب.
ولما كان ما عملوه من التخلف عن أمر الرسول ( ﷺ ) عظيماً بمجرد المخالفة ثم يترك المواساة ثم بالرغبة عنه ( ﷺ ) ثم بأمور عظيمة شديدة القبح وخيمة فكان يبعد معه الزيادة عن رتبة التوبة، أعلم سبحانه أنه رقاهم في رتب الكمال بأن جعل ذلك سبباً لتطهيرهم من جميع الأدناس وتنقيتهم من سائر الأردان المقتضي لمزيد القرب بالعروج في مصاعد المعارف - كما أشار إليه قوله ( ﷺ ) لكعب رضي الله عنه ( أبشر بخير يوم مرَّ عليك منذ ولدتك أمك ) أتبع ذلك سبحانه الإعلام به بقوله - مشيراً إلى ما بعده لولا فضل الله - بأداة الاستبعاد :( ثم تاب عليهم ) أي رجع بهم بعد التوبة إلى مقام من مقامات سلامة الفطرة الذي هو أحسن تقويم يعلو لعلوه بالنسبة إلى ما دونه، توبة ) ليتوبوا ) أي ليرجعوا إلى ما تقتضيه الفطرة الأولى من الثبات على ما كانوا عليه من


الصفحة التالية
Icon