صفحة رقم ٣٩٩
الإحسان في الدين والتخلق بإخلاق السابقين، ولعله عبر بالظن موضع العلم إشارة إلى أنه يكفي في الخوف من جلاله للانقطاع إليه مجرد الظن بأنه لا سبب إليه إلا منه لأنه محيط بكل شيء لا يعجزه شيء، ويمكن أن يكون التعبير - ) ثم ( إشارة إلى عظيم ما قاسوا من الأهوال وما تراقبوا إليه من مراتب الخوف، وامتنان عليهم بالتوبة من عظيم ما ارتكبوا، إنما خصوا عن رفائقهم بأن أرجئوا لأمر الله لعلو مقامهم بما لهم من السابقة ورسوخ القدم في الإسلام، فالمخالفة اليسيرة منهم أعظم من الكثير من غيرهم لأنهم لأنهم أئمة الهدى ومصابيح الظلم، ومن هذا البارق - حسنات الأبرار سيئات المقربين - ثم علل التوبة بأمر يعم غيرهم ترغيباً فقال معبراً بما يشير مع أعلى مقامهم إلى نزوله عن مقام من قبلهم :( إن الله ) أي الذي له الكمال كله ) هو ) أي وحده ) التواب ) أي البليغ التوبة على من تاب وإن عظم جرمه وتكررت توبته ذنوبه ) الرحيم ) أي المكوم لمن اراد من عباده بأن يحفظه على ما يرتضيه فلا يزيغ، ويبالغ في افنعام عليه.
ولما كان الذي نالوا الإقبال من موالاهم عليهم - مما وصفهم به من الضيق وما معه - هو التقوى والصدق في الإيمان كما كان ما يجده الإنسان في نفسه مما الموت عنده والقذف في النار أحب إليه من التلفظ به صرييح الإيمان بشهادة المصطفى ( ﷺ )، رغب سبحانه في الصدق فقال :( يأيها الذين آمنوا ) أي ادعوا ذلك ) اتقوا الله ) أي خافوا سطوة من له العظمة الكاملة تصديقاً لدعواكم فلا تفعلوا إلا ما يرضيه ) وكونوا ) أي كوناً صادقاً بجميع الطبع والجبلة ) مع الصادقين ) أي في كل أمر يطلب منهم، ولعله اخرج الأمر مخرج العموم ليشمل كل مؤمن، فمن كان مقصراً كانت آمره له باللحاق، ومن كان مسابقاً كانت حاثة له على حفظ مقام الاستباق، ولعله عبر ب ) مع ( ليشمل أدنى الدرجات، وهو الكون بالجثت، وقد روى ابخاري توبة كعب أحد هؤلاء الثلاثة رضي الله عنهم في مواضع من صحيصه منها التفسير، وكذا رواه غيره عن غزوتين : غزوة العسرة - يعني هذه - وغزوة بدر، وأن تخلفه ببدر إنما كان لأن النبي ( ﷺ ) لم يندب الناس إليها ولا حثهم عليها لأنه ما خرج أولاً إلا لأجل العير، قال : فأجمعت صدق رسول اله ( ﷺ )، كان قل ما يقدم من سفر سافره إلا ضحى، وكان يبدأ بالمسجد فيركع ركعتين ونهى النبي ( ﷺ ) عن كلامي وكلام صاحبي - يعني مرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية الواقفي - ولم ينه عن كلام أحد من المختلفين غيرنا، فاجتنبت الناس


الصفحة التالية
Icon