صفحة رقم ٤٠٢
فجعل ذكرها قيداً، قال :( ولا كبيرة ( إعلاماً بأنه معتد به لئلا يترك، وفيه إشارة إلى آية اللمز للمطوعين في الصدقات ) ولا يقطعون وادياً ( اي من الأودية بالسير في الجهاد، والوادي : كل منفرج بين جبال وآكام ينفذ فيه السيل، وهو في الأصل فاعل من ودى - بالكتابة مطلقاً ) ليجزيهم الله ) أي ذو الجلال والإكرام، أي بذلك من فضله ) أحسن ما كانوا ) أي جبلة وطبعاً ) يعلمون ( مضاعفاً على قدر الثبات، وأكدت فاصلة الأولى دون هذه لزيادة تلك في المشقة والنفع، ولذا صرح فيها الأجر والعمل الصالح - نبه على ذلك الإمام أبو حيان.
ومن هنا بل من عند ) إن الله اشترى ( شرع في عطف الآخر على الأول الذي مضمونه البراءة من المشركين والاجتهاد في قتالهم بعد انقضاء مدتهم حيث وجدوا - إلى ان قال ) قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ( - إلى أن قال ) ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض ( ثم قال ) انفروا خفافاً وثقالاً ( ثم أتبع ذلك قصص المنافقين كما أنه فعل هنا كذلك أن ختم بقوله ) قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ( الآية ثم أتبعها ذكر المنافقين.
ولما تواترت النواهي للمتخلفين وتواصلت الزواجر وتعاظم الت التبكيت والتهديد، طارت القوب وأشفقت النفوس، فكان ذلك مظنة أن لا يتخلف بعدها أحد عن رسول الله ( ﷺ ) وعمن يقوم مقامه فيتمكن حينئذ الأعداء من الأموال والذراري والعيال، فأتبع ذلك قوله تعالى :( وما كان المؤمنون ( اي الذين حثهم على النَّفر الرسوخ في الإيمان ) لينفروا كآفة ( اي جميعاً فإن ذلك بخل بكثير من الأغراض الصالحة، وهو تعليم لما هو الأنسب بالدين والدنيا من انقسام الناس قسمين : قسماً للجهاد، وقسماً للنفقة وحفظ الأموال والأولاد، كل ذلك بأمره عليه الصلاة والسلام والعمل بما يرضاه، ولا يخفى ذلك على المخلص، ولعل التعبير بالفعل الماضي في قوله مسبباً عما قبله :( فلولا نفر ( ليفهم تبكيت من قصد تبكيته من المختلفين في جميع هذه السورة بأنه كان عليهم أن يقع على ثلاثة ) منهم طائفة ( اي ناس لا ينفكون حافين بالنبي ( ﷺ ) يلزمونه، قيل : والطائفة واحد واثنان، فالآية حجة على قبول خبر الواحد ووجوب العمل به، وكأنه عبر اي ليكلف النافرون كما هو أصل مدلولها الأغلب فيه ) ليتفقهوا ( أقواله ويرونه من جميل افعاله ويصل إلى قلوبهم من مستنير احواله، وهذا غاية الشرف للعلم حيث جعل غاية الملازمة له ( ﷺ ) للجهاد، هذا إن كان هو ( ﷺ ) النافر في تلك الغزاة، وغن كان غيره كان ضمير ) يتفقهوا ( للباقين معه ( ﷺ )


الصفحة التالية
Icon