صفحة رقم ٤٠٣
ولما كان من العلم بشارة ومنه نذارة، وكان الإنسان - لما فيه من النقصا - أحوج شيء إلى النذارة، خصها بالذكر فقال عطفاً على نحو : ليخافوا في أنفسهم فيعملوا في خلاصها :( ولينذروا قومهم ) أي يحذروهم ما أمامهم من المخاوف إن فرطوا في جانب التقوى ) إذا رجعوا إليهم ) أي ما أنذرهموه الرسول ( ﷺ ) ويبشرهم بما بشرهم به ؛ ثم بين غاية العلم مشيراً إلى أن من جعل له غاية غيرها من ترفع أو افتخار فقد ضل ضلالاً كبيراً، فقال موجباً لقبول خبر لقبول خبر من بلغهم :( لعلهم ( اي كلهم ) يحذرون ) أي ليكون حالهم حال أهل الخوف من الله بما حصلوا من الفقه لأنه أصل كل خير، به تنجلي القلوب فَتقبل على الخير وتعرض عن الشر، فإن الحذر تجنب الشيء لما فيه من الضرر، والمراد بالفقه هنا حفظ الكتاب والسنة وفهم معانيها من الأصول والفروع والآداب والفضائل، وقال الرماني : الفقه موجبات المعاني المضمنة بها من غير تصريح بالدلالة عليها.
التوبة :( ١٢٣ - ١٢٥ ) يا أيها الذين.....
) يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ ( ( )
ولما عملت المقاصد وتهيأت القلوب لقبول الفوائد، وأمر بالإنذار بالفقه، وكان من الناس من لا يرجع إلا بشديد البأس، أقبل على الكل مخاطباً لهم بأدنى أسنان القلوب ليتوجه إلى الأدنى ويتناول الأعلى منه من باب الأولى فقال :( يأيها الذين آمنوا ) أي ادَّعوا بألسنتهم الإيمان ) قاتلوا ( اي تصديقاً لدعواكم ذلك ) الذين يلونكم ) أي يقربون منكم ) من الكفار ( فالذين يلونهم إن لم تروا غيره أصلح لمعنى يعرض لما في ذلك من حسن الترتيب ومقتضى الحكمة ولأن الجهاد معروف وإحسان، والأقربون أولى بالمعروف، ولتبعدوا العدو عن بلادكم فيكثر صلاحهم ويقل فسادكم وتكونوا قد جمعتم بالتفقه والقتال بين الجهادين : جهاد الحجة وجهاد السيف مع الاحتراس بهذا الترتيب من أن يبقى وراءكم إذا قاتلتم من تخشون كيده.
ولما كانت الملاينة أولى بالمسالمة، والمخاشنة أولى بالمصارمة، قال :( وليجدوا ( من الوجدان ) فيكم غلطة ) أي شدة وحمية لأن ذلك اهيب في صدورهم.
واكف عن فجورهم، وحقيقة الغلطة في الأجسام، استعيرت هنا للشدة في الحرب، وهي تجمع الجراءة والصبر على القتال وشدة العدواة، فإذا فعلوا ذلك كانوا جامعين بين جهاد الحجة والسيف كما قيل :


الصفحة التالية
Icon