صفحة رقم ٤٠٧
ممن يحضر نزول الذكر كثيراً مع احتمالها للعموم، والختم هناب ) لا يفقهون ( أنسب لأن المقام - وهو النظر في زيادة الإيمان بالنسبة إليهم - يقتضي فكراً وتأملاً وإن كان بالنظر إلى المؤمنين في غاية الوضوح.
ولما أمر ( ﷺ ) أن يبلغ هذه الأشياء الشاقة جداً من أمر هذه السورة، وكان من المفلوم أنه لا يحمل ذلك إلا من وفقه الله تعالى، وأما المنافقون فيكرهون ذلك وكان انصرافهم دالاً على الكراهة، عرفهم أن الأمر كان يقتضي توفر دواعيهم على محبة هذا الداعي لهم المقتضي لملازمته والبعد عما يفعلونه به من الانصراف عنه، وأن أحواله الداعية لهم إلى محبته أعظم من أحوال آبائهم التي أوجبت لهم منهم من المحبة وعليهم من الحقوق ما هم مفتخرون بالتلبس به والمغالاة فيه، وأن كل ما يحصل بهذا القرآن من العز والشرف في الدنيا فهو لكل من آمن به فقال :( لقد جاءكم رسول ( ولما كان الرسول يجب إكرامه والوقوف في خدمته لأجل مرسله ولو تجرد عن غير ذلك الوصف، شرع يذكر لهم من وصافه ما يقتضي لهم مزيد إكرامه فقال :( من أنفسكم ) أي ترجعون معه إلى نفس واحدة بأنكم لأب قريب، وذلك أقرب إلى الألفة وأسرع إلى فهم الحجة وأبعد من المحل واللجاجة ) عزيز ) أي شديد جداً ) عليه ما عنتم ( والعزة : امتناع الشيء بما يعتذر معه ما يحاول منه بالقدرة أو بالقلة أو بالصعوبة، والعنت : لحاق الأذى الذي يضيق الصدر به ولا يهتدي للمخرج منه ) حريص ) أي بليغ الحرص ) عليكم ) أي على نفعكم، والحرص : شدة طلب الشيء على الاجتهاد فيه، وقدم الجار لإفادة الاختصاص فقال :( بالمؤمنين ) أي العريقين في هذا الوصف كافة خاصة، ولما ذكر الوصف المقتضي للرسوخ، قدم ما يقتضي العطف على من يتسبب له بما يقتضي الوصلة فقال :( رءوف ( اي شديد الرحمة لمن له منه عاطفة وصلة لما تقدم من معنى الرأفة قريباً.
ولما كان المؤمن يطلق مجازاً على من يمكن منه الإيمان فوصلته الان ليست بالفعل بل الإمكان، قال تعميماً لرحمته ( ﷺ ) كما هو اللائق بشريف منصبه وعظيم خلقه :( رحيم ( ولأجل مثل هذه الأغراض النفسية رتب سبحانه هذين الوصفين هكذا، ولكن المعاني المراده تارة يظهرها الله نعالى لعبده منحة له وإكراماً، وتارة يخفيها إظهاراً لعجزه ونقصانه ثم يظهرها له في وقت آخر إن صدق في التضرع وإظهار الافتقار والتذلل وأدام الطلب، أو لغيره ممن هو أقل منه علماً وأضعف نظراً وفهماً، وإذا تاملت كتابي هذا ظهر لك أن كثيراً من الآيات فسرها على غير المراد منها قطعاً أكابر العلماء، فعلى الأنسان - إذا خفي عليه أمر - أن يقول : لا أعلم، ولا يظن أنه رتب شيء من هذا