صفحة رقم ٤٠٨
الكتاب العزيز لأجل الفواصل، فلذلك لا يليق بكلام الله تعالى، وقد عاب النبي ( ﷺ ) السجع، لأن الساجع يكونُ محطَ نظره الألفاظ، فيدير المعاني عليها ويتبعها إياها، فرربما عجز اللفظ عن توفية المعنى ؛ روى البخاري في الطب وغيره من صحيحه ومسلم في الديات وأبو داود والنسائي وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ( ﷺ ) قضى في الجنين يقتل في بطن امه بغرة عبد أو وليدة، فقال الذي قضى عليه : كيف أغرم من لاشرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، فمثل ذلك بطل ؛ فقال النبي ( ﷺ ) :( إنما هذا من إخوان الكهان ) من اجل سجعه الذي سجع، وفي رواية : فقال النبي ( ﷺ ) :( سجع كسجع الأعراب ) وذلك - والله أعلم - أنه لو كان نظره إلى المعنى وتصحيحه لأغنى عن هذا السجع ان يقال : كيف اغرم من لاحياة له، ولوقصد السجع وتهذيب المعنى لتى مما يدل على نفي الحياة التي جعلها محط أمره فإن ما أتى به لا يستلزم نفيها، ولو تقيد بالصحة لاغتنى بنفي النطق عن نفي الاستهلال، فصح بهذا انه دائر مع تحسين اللفظ صح المعنى أم لا، وينطبع في عقل عاقل أن يكون النبي ( ﷺ ) يذم السجع وهو ياتي به ويقصده في القرآن أو في السنة، ولو كان ذلك لأسرعوا الرد عليه، وذكر اصحاب فتوح البلاد في فتح مكران من بلاد فارس أن الحكم بن عمرو لما فتحها ارسل بالأخماس مع صحار العبدي، فلما قدم على عمر رضي الله عنه سأله عن مكران وكان لا يأتيه أحد إلا سأله عن الوجه الذي يجيء منه فقال : ياأمير المؤمنين أرض سهلها جبل، وماءها وشل وثمرها دقل، وعدوها بطل، وخيرها قليل، وشرها طويل، والكثير بها قليل، والقليل بها ضائع، وما وراءها شر منها ؛ فقال، اسجاع أنت أم مخبر ؟ فقال : لا بل مخبر، قال : لاوالله لا يغزوها جيش لي ماأطعت.
فقد جعل الفاروق السجع قسيماً للخير فدل على أن التقيد به عيب لإخلاله بالفائدة أو بتمام الفائدة، ولعله غنما جوز أن يكون مخبراً لنه إنفك عن السجع في آخر كلامه وكرر لفظ ( قليل ) فكان ما ظنه، لأنه لو أراد السجع لأمكنه أن يقول والكثير بها ذليل، والقليل بها ضائع كليل، وما وراءها شر منها بأقوم قيل ؛ وقد نفى سبحانه عن هذا القرآن المجيد تصويب النظر إلى السجع كما نفى عنه الشعر فإنه تعالى قال
٧٧ ( ) وما هو بقول شاعر قليلا