صفحة رقم ٤٧٧
ولما أخبر سبحانه عن دعائه عليه السلام أخبر بإجابته بقوله مستأنفاً :( قال ( ولما كان الموضع محل التوقع للإجابة، افتتحه بحرفه فقال :( قد أجيبت دعوتكما ( والبناء للمفعول أدل على القدرة وأوقع في النفس من جهة الدلالة على الفاعل بالاستدلال، وثنى للإعلام بأن هارون عليه السلام مع موسى عليه السلام في هذا الدعاء، لأنه معه كالشيء الواحد ا خلاف منه أصلاً وإن كان غائباً، وذلك كما بايع النبي ( ﷺ ) عن عثمان رضي الله عنه في عمرة الحديبية فضرب بإحدى يديه على الأخرى وهو غائب في حاجة النبي ( ﷺ )، وكذا ضرب له في غزوة بدر بسهمه وأجره وكان غائباً.
ولما كانت الطاعة وانتظار الفرج وإن طال زمنه أعظم أسباب الإجابة، سبب عن ذلك قوله :( فاستقيما ) أي فاثبتا على التعبد والتذلل والخضوع لربكما كما أن نوحاً عليه السلام ثبت على ذلك وطال زمنه جداً واشتد أذاه ولم يضجر ؛ ولما كان الصبر شديداً.
أكد قوله :( ولا تتبِّعان ( بالاستعجال أو الفترة عن الشكر ) سبيل الذين لا يعلمون ( ولما أمر بالتأني الذي هو نتيجة العلم، عطف على ذلك الإخبار بالاستجابة قوله :( وجوزنا ) أي فعلنا بعظمتنا في إجازتهم فعل المناظر للآخر المابري له، ودل بإلصاق الباء بهم على مصاحبته سبحانه لهم دلالة على رضاه بفعلهم فقال :( ببني إسرءيل ) أي عبدنا المخلص لنا ) البحر ( إعلاماً بأنه أمرهم بالخروج من مصر وأنجز لهم ما وعد فأهلك فرعون وملأه باتباعهم سبيل من لا يعلم بطيشهم وعدم صبرهم، ونجى بني إسرائيل بصبرهم وخضوعهم ؛ والالتفات من الغيبة إلى التكلم لما في هذه المجاوزة ومقدمتها ولواحقها من مظاهر العظمة ونفوذ الأوامر ومضاء الأحكام ؛ وبين سبحانه كيفية إظهار استجابة الدعوة بقوله مسبباً عن المجاوزة :( فأتبعتهم ( اي بني إسرائيل ) فرعون وجنوده ) أي أوقعوا تبعهم أي حملوا نفوسهم على تبعهم، وهو السير في أثرهم، واتبعه - إذا سبقه فلحقه، ويقال : تبعه في الخير واتبعه في الشر.
ولما أفهم ذلك، صرح به فقال :( بغياً ) أي تعدياً للحق واستهانة بهم ) وعدواً ) أي ظلماً وتجاوزاً للحد.


الصفحة التالية
Icon