صفحة رقم ٤٩٣
عنهم، وأشار بأداة التراخي إلى طول زمان الابتلاء وعظيم رتبة التنجية، وحذف مقابل الإنجاء لأن المقام بعد آية ) ألا إن أولياء الله ( ناظر غلى البشارة أكثر من النظر غلى النذارة ) رسلنا ) أي الذين عظمتهم من عظمتنا ) والذبن آمنوا ( اي بالرسل وهم معهم في زمانهم ولو كانوا في أدنى درجات الإيمان تشريفاً للراسخين وترغيباً في مثل حالهم قوله :( كذلك ( اي كما حق علينا إهلاك الكافرين هذا الإهلاك العظيم ) حق علينا ) أي بما أوجبناه على جنابنا الأعظم ) ننج المؤمنين ) أي العريقين في الإيمان وو كاوا بعد موت الرسل تنجية عظيمة وتنجيهم إنجاء عظيماً، فالآية من الاحتباك لما أشارت إليه القراءتان بالتخفيف والتثقيل، أو يكون ذلك بني على سؤال من لعله يقول : هل حقوق النجاة مختص بالرسل ومن معهم ؟ فقيل : لا، بل ) كذلك ) أي الحقوق ) حقاً علينا ( على ما لنا من العظمة ) ننج المؤمنين ( في كل وزمن وإن لم يكن بين ظهرانيهم رسول، لأن العلة الاتصاف بالإيمان الثابت، فيكون الكاف مبتدأ ( وننج ) خبره ؛ والنظر : طلب المعنى بالقلب من جهة الذكر كما يطلب إدراك المحسوس بالعين ؛ والغنى : حصول ما ينافي الضر وصفة النقص، ونقيضه الحاجة ؛ والنذر : جمع نذير، من النذارة وهي الإعلام بموضع المخافة ليقع به السلامة ؛ والانظار : الثبات لتوقع ما يكون من الحال ؛ والمثل إن كان من الجنس فهو ما سد مسد غيره من الحس، وإن كن من غيره فالمراد ما كان فيه معنى يقرب به من غير كقربه منجنسه كتشبيه أعمال الكافر بالسراب ؛ والنجاة من النجوة وهي الارتفاع من الهلاك.
ولما تقدم الفطام عن الميل يطلب الآيات، وكان طلبهم لها إنما هو على وجه الشك، وإن لم يكم على ذلك الوجه فإنه فعل الشاك غالباً وتقدمت أجوبة لهم، وختم ذلك بتهديدهم وبشارة المؤمنين الموجبة لثباتهم، ناشبة كل المناسبة أن أتبعت الأمر بجواب آخر دال على ثباته ( ﷺ ) وأنه مظهر دينه رضي من رضي وسخط من سخط، لأن البيان قد وصل إلى غايته في قوله تعالى :( قل يا أيها الناس ) أي الذين هم في حيز الاضطراب، لم ترقهم هممهم إلى رتبة الثبات ) إن كنتم ) أي كوناً هو كالجبلة منغمسيين ) في شك ( كائن ) من ( جهة ) ديني ( تطلبون لنزوله - بعد تكفل العقل بالدلالة عليه - إنزال الآيات، فأنا لست على شك من صحة ديني وبطلان دينكم فاعرضوه على عقلوكم وانظروا ما فيه من الحكم مستحضرين ما لدينكم من الوهي الذي تقدم بيانه في قوله تعالى
٧٧ ( ) قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق ( ) ٧
[ يونس : ٥٩ ] ونحوه ) فلا أعبد ) أي الآن ولا في المستقبل الزمان ) الذين تعبدون ) أي الآن أو بعد الآن ) من