صفحة رقم ٤٩٦
التباين من غير نقص، ونظيره المطابقة، والمجامعة نقيضها المباينة ؛ والكشف : رفع الستار، جعل الضر كأنه مانع من إدراك الإنسان وساتر له.
ولما كثرت في هذه السورة الأوامر والنواهي والأجوبة بسبب ما يقترحونه على وجه التعنت، وختم بأن من دعا غيره كان راسخاً في الظلم لا مجير له منه، ختم ذلك بجواب معلم بأن فائدة الطاعة ليست راجعة إلا إليهم، وضرر النفور ليس عائداً إلا عليهم فقال تعالى :( قل يا ايها الناس ( اي غاية كل من له قابلية التحرك والاضطراب ) قد جاءكم الحق ) أي الكامل بهذا الرسول ( ﷺ ) وهذا الكتاب، وذلكم خير عظيم أصابكم الله به، وزاد الرغبة فيه بقوله :( من ربكم ) أي المحسن إليكم ) فمن ) أي فتسبب عن ذلك أنه من ) اهتدى ) أي آمن بمحمد ( ﷺ ) وعمل بما في الكتاب ) فإنما يهتدي لنفسه ( اي لأنه تبع الحق الثابت وترك الباطل الزائل فأنقذ نفسه من النار وأوجب لها الجنة ) ومن ضل ( اي كفر بهما أو بشيء منهما ) فإنما يضل عليها ( لأنه ترك الباقي وتمسك بما ليس في يده منه شيء لأنه فانٍ فقد عر نفسه ) وما أنا ( ولما كان السياق لنفي تصرفه فيهم وأن ذلك غنما هو إلى الله تعالى، كان تقديم ضميرهم أهم فقال :( عليكم بوكيل ( فيطلب مني حفظكم مما يؤدي إلى الهلاك ومنه عنكم كما يطلب من الوكيل.
ولما كان أكثر ذلك وعظاً لهم وتذكيراً ختمه بأمره ( ﷺ ) بما يفعله في خاصة نفسه أجابوا اولمن يجيبوا، فقال عطفاً على قوله ) قل يا أيها الناس ( :( واتبع ) أي بجميع جهدك ) ما يوحي إليك ( وبناه للمفعول لأن ذلك كان بعد أن تقررت عصمته ( ﷺ ) وعلم أن كل ما يأتيه من عند الله، وفكان ذلك أمكن في أمره باتباع كل ما يأتيه منه سبحانه وفي الإيذان بأنه لا ينطق عن الهوى ) واصبر ( في تبليغ الرسالة على ما أصابك في ذلك من عظيم الضرر وبليغ الخطر من ضلال من لم يهتد وإعارضه وجفوته وأذاه ) حتى يحكم الله ( ايالملك الأعظم بين من ضل من أمتك ومناهتدى ) وهو ) أي وحده ) خير الحاكمين ( لأنه يوقع الحكم في أولى مواقعه واحقها وأحسنها وأعدلها، وهو المطلع على السرائر فعنل أنت بما تؤمر به وبشر وأنذر وأخبر وادع إلى الله بجيمع ما أمرك به واترك المدعوين حتى يأمرك فيهم بامره ؛ قال الزمخشري : وروى أنها لما نزلت هذه الآية جمع رسول الله ( ﷺ ) الأنصار قال :( إنكم ستجدون بعدي اثره فاصبروا حتى تلقوني ) وتبعه على ذلك أبو حيان وغيره، فإن صح فالسر فيه - والله أعلم - أنه لما


الصفحة التالية
Icon