صفحة رقم ٥١١
يؤيده ؛ قال أبو حيان : وشان من يريد تعجيز شخص ان يطالبه اولاً بان يفعل أمثالاً مما يفعل هو، ثم إذا تبين عجزه قال : افعل مثلاً واحداً - انتهى.
فكأنهم تحدوا أولاً بجميع القرآن في مثل قوله :
٧٧ ( ) فليأتوا بحديث مثله ( ) ٧
[ الطور : ٣٤ ] أي في التحتم والتطبيق على الوقائع وما يحدث ويتجدد شيئاً في إثر شيء ثم قطع بعد عجزهم بدوام عجزهم في قوله تعالى :
٧٧ ( ) قل لو اجتمعت الإنس والجن ( ) ٧
[ الإسراء : ٨٨ ] تبكيتاً لهم وإخزاء وبعثاً على ذلك وإغراء، ثم تحدوا في سورة يونس عليه السلام بسورة واحدة مثل جميع القرآن غير معتنين فيها بالتفصيل إلى السور تخفيفاً عليهم واستهانة بأمرهمن فلما عجزوا تحدوا بعشر مفتراه، ولما خفف عنهم التقيد بصدق المعنى وحقيقة المباني، ألزمهم بما خففه عنهم في يونس من التفضيل ولم يخلهم من التخفيف إشارة إلى هوان أمرهم واحتقار شانهم بأن جعلها غلى عشر فقط، فلما عجزوا أعيد في المدينة الشريفة لأجل أهل الكتاب تحديهم بسورة، أي قطعة واحدة مقروناً ذلك بالإخبار بدوام عجزهم عن ذلك في قوله تعالى في البقرة
٧٧ ( ) فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ( ) ٧
[ البقرة : ٢٤ ]، فالمتحدى به في كل سورة غير المتحدى به في الأخرى، وقد مضى في يونس ولابقرة ويأتي في سبحان والطور إنشاء الله تعالى ما يتم به فهم هذا المقام، والبلاغة ثلاث طبقات فأعلاها معجز، وأوسطها وأدناها ممكن، والتحدي وقع بالعليا، وليس هذا أمراً بالافتراء لأنه تحدّ فهو للتعجيز وقوله :( وادعوا من استطعتم ) أي طلبتم أن يطيعكم ففعل، ولما كانت الرتب كلها تحت رتبته تعالى والعرب مقرة بذلك قال :( من دون الله ) أي الملك الأعلى.
وأشار غلى عجزهم بقوله :( إن كنتم صادقين ( وفي ذلك زيادة بيان وتثبيت للدليل، فإن كل ظهير من سواهم دونهم في البلاغة، فعجزهم عجز لغيرهم بطريق الأولى.
ولما كان أدنى درجات الافتراء إتيان الإنسان بكلام غيره من غير علمه، وكان عجزهم عن المعارضة دليلاً قاطعاً على أنهم لم يصلوا إلى شيء من كلامه تعالى بغير علمه ولا وجدوا مكافئاً له يأتيهم يمثله ثبت قطعاً أن هذا القرآن غير مفترى، فقال تعالى مخاطباً للجميع بخلاف ما في القصص إشارة غلى وضوح الأمر لا سيما في الافتراء عند كل أحد وان المشركين قد وصلوا من ذل التبكيت بالتحدي مرة بعد مرة وزورهم لأنفسهم في ذلك المضمار كرة في اثر كرة غلى حد من العجز لا يقدرون معه على النطق في ذلك ببنت شفة :( فإن لم يستجيبوا لكم ( اي يطلبوا إججابتكم ويوجدوها ) فاعلموا ( ايها الناس كافة ) إنما أنزل ) أي ما وقع إنزال هذا القرآن خاصة إلا ملتبساً ) بعلم الله ( اي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً بمقتضى ان محمداً واحد منهم تمع العادة أن يعثر دون جميع أهل الأرض على ما لم يأذن فيه ربه من كلامه فضلاً عن أن يكون مخترعاً


الصفحة التالية
Icon