صفحة رقم ٥١٦
أي يفعلون معهم ما يفعل القريب من تولي المصالح والحماية من المصائب، ومن لم يقدر على الامتناع وهو حي لم يمتنع بعد موته فكأنه قيل : ماذا يفعل بهم ؟ فقيل :( يضاعف ) أي يفعل يه فعل من يناظر آخر في الزيادة، وبناه للمفعول لأنالمرجع وجود المضاعفة مطلقاً ) لهم العذاب ( اي لما كانوا يضاعفون المعاصي ؛ ثم علل سبب المضاعفة بأنه خلق لهم سمعاً وبصراً فضيعوهما بتصامّهم عن الحق وتعاميهم عنه، فكأن لا فرق بينهم وبين فاقدهما فقال :( ما كانوا ( اي بما لهم من فساد الجبلات ) يستطيعون السمع ( اي يقدرون لما غلب على فطرهم الأولى السليمة بانقيادهم للهوى من التخلق بنقائص الشهوات على أن توجد طاعته لهم فمما كانوا يسمعون ) وما كانوا ( يستطيعون، الإبصار فما كانوا ) يبصرون ( حتى يعرضوا عن الشهوات فتوجد استطاعتهم للسمع والإبصار، وهو كناية عن عدم قبولهم للحق وأن شدة إعراضهم عنه وصلت إلى حد صارت فيه توصغ بعد الاستطاعة كما يقول الإنسان لما تشتد كراهته له : هذا مما لا أستطيع أن أسمعه، وتكون المضاعفة بالكفر والصد، ونفي الاستطاعة أعرق في العيب وأدل على النقص سواء كان للعين أو للقلب، هذا إن لم تخرج الآية على الاحتباك، وإن خرجت عليه استوى الأمران، وصار نفي الاستطاعة أولاً دالاًّ على نفيها ثانياً، ونفي الإبصار يدل على نفي السمع أولاً.
ولما ثبت أنهم لا سمع ولا بصر، ثبت أنهم لا شيء فقال :( أولئك ( اي البعداء البغضاء ) الذين خسروا أنفسهم ( اي بتضييع الفطرة الأولى التي هي سهولة الانقياد للخير وصعوبة الانقياد للشر ؛ ولما كان العاجزز ربما نفعه من كان يخدمه فيكسبه قوة بعد الضعف ونشاطاً بعد العجز، نفى ذلك بقوله عائداً إلى نفي النفع ممن عذرهم أولاً على أحسن وجه :( وضل عنهم ما كانوا ) أي كوناً جبلوا عليه فصاروا لا ينفكون عنه ) يفترون ) أي يتعمدون كذبه مما ادعوا كونهم آلهة، ولا شك أن من خسر نفسه ومن خسرها من أجله بادعاء أنه شريك لخالقه ونحو ذلك كان أخسر الناس، فلذلك قال :( لا جرم ( اي لا شك ) أنهم ) أي هؤلاء الذي بالغلوا في إنكار الآخرة ) في الآخرة ( ولما كان المقام جديراً بالمبالغة في وصفهم بالخسارة، أعاد الضمير فقال :( هم ) أي خاصة ) الأخسرون ) أي الأكثرون خسراناً من كل من يمكن وصفه بالخسران ؛ والإعجاز : الامتناع من المراد بما لا يمكن معه إيقاعه ؛ والمضاعفة : الزيادة على المقدار بمثله أو أكثر ؛ والاستطاعة : قوة ينطاع بها الجوارح للفعل ؛ وأما ( لا جرم ) فقد اضطرب علماء العربية في تفسيرها، قالالرضي في شرح الحاجبية والبرهان السفاقسي في إعرابه