صفحة رقم ٥٣٠
بغياً بقوله :( وكلما ) أي والحال أنه كلما ) مر عليه ملأ ) أي اشراف ) من قومه ( وأجاب ( كلما ) بقوله :( سخروا منه ) أي ولم يمنعهم شرفهم من ذلك، وذلك أنهم رأوا يعاني ما لم يروا قبله مثله ليجري على الماء وهو في البر وهو على صفة من الهول عظيمة فعن الحسن أن طوالها ألف ذراع ومائتا ذراع وعرضها ستمائة، فقالوا : يانوح ما تصنع.
قال : أبني بيتاً على الماء، ويجوز أن يكون ) سخروا ( : صفة لملإ، وجواب ) كلما ( ) قال (، ولما أيأسه الله من خيرهم، ترك ما كان من لينه لهم واستعطافهم فعلم أن ذلك ما كان إلا له سبحانه، فقال حاكياً عنه استئنافاً :( قال إن تسخروا منا ( ولما كانوا يظنون أنه غائب في عمله كان عندهم موضعاً لخزي والسخرية، وكان هو ( ﷺ ) عالماً بأن عملهم سبب لخزيهم بالعذاب المستأصل، فكان المعنى : إن تسخروا منا - أي مني وممن يساعدني - لظن أن عملنا غير مثمر ) فإنا نسخر ( ي نوجد السخرية ) منكم ( جزاء لكم ) كما تسخرون ( منا الآن لأن عملنا منج وعملكم ليس مقتصراً على الضياع بل هوموجب لما توعدون من العذاب فأنتم المخزيون دوني.
ولما كان قوله ) نسخر منكم ( واقعاً موقع الإخبار، حسن الإتيان بالفاء المؤذنة بتسبب العلم المذكور عنه في قوله :( فسوف تعلمون ) أي بوعد لا خلف فيه ) من يأتيه عذاب يخزيه ) أي يفضحه فيذله، وكأن المراد به عذاب الدنيا ) ويحل عليه ) أي حلول الدين الذي لا محيد عنه ) عذاب مقيم ( وهو عذاب الآخرة، وقد مضى نحوه في الأنعام عند قوله ) فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار ( ؛ والسخرية : إظهار ما يخالف الإبطان على جهة تفهم استضعاف العقل، من التسخير وهو التذليل استضعافاً بالقهر، وهي تفارق اللعب بأن فيها خدعة استنفاض، فلا تكون إلا بحيوان، واللعب قد يكون بجماد لأنه مطلق طلب الفرح ؛ والخزي : العيب الذي تظهر فضيحته والعار به، ونظيره الذل والهوان ؛ واستمر ذلك دابه ودابهم ) حتى إذا جاء أمرنا ) أي وقت إرادتنا لإهلاكم ) وفار ) أي غلا وطفح ) التنور ( وعن ابن عباس رضي الله عنهما والحسن ومجاهد أنه الحقيقي الذي يخبز فيه، وهذا هو الظاهر فلا يعدل عنه إلا بدليل، لأن صرف اللفظ عن ظاهره بغير دليل عبث كما قاله أهل الأصول ) قلنا ( بعظمتنا ) احمل ( ولما كان الله تعالى قد أمره أن يجعل لها غطاء - كما قاله أهل التفسير - لئلا تمتلىء من شدة الأمطار، كانت الظرفية فيها بخلاف غيرها من السفن واضحة فلذلك قال :( فيها ) أي السفينة ) من كل زوجين ( من الحيوانات، والزوج فرد يكون معه آخر لا يكمل نفعه إلا به ) اثنين ( ذكراً وأنثى ) وأهلك ) أي احملهم، والأهل : العيال ) إلا من سبق ( غالباً ) عليه القول ( بأني أغرقه وهو امرأته وابنه كنعان ) ومن ) أي واحمل فيها من ) آمن (


الصفحة التالية
Icon