صفحة رقم ٥٣٢
) لغفور ) أي بالغ الستر للزلات والهفوات ) رحيم ) أي بالغ الإكرام لم يريد، فركبوها واستمروا سائرين فيها يقولون : بسم الله ) وهي ) أي والحال أنها ) تجري بهم (.
ولما كان الماء مهيئاً للإغراق، فكان السير على ظهره من الخوارق، وأشار إلى ذلك بالظرف فقال :( في موج ( ونبه على علوه بقوله :( كالجبال ( اي في عظمه وتراكمه وارتفاعه، فالجملة حال من فركبوها، المقدر لأنه لظهوره في قوة الملفوظ، وكان هذه الحال مع أن استدامة الركوب ركوب إشارة إلى شرعة امتلاء الأرض من الماء وصيرورته فيها أمثال الجبال عقب ركوبهم السفينة من غير كبير تراخ، قالوا : وكان أول ما ركب معه الذرة، وآخر ما ركب معه الحمار، وتعلق إبليس بذنبه فلم يستطيع الدخول حتى قال له نوح عليه السلام : ادخل ولو كان الشيطان معك - كذا قالوا، وقيل : إنه منع الحية والعقرب وقال : إنكما شبب الضر، فقالا : احملنا ولك أن لا نضر أحداً ذكرك، فمن قال
٧٧ ( ) سلام على نوح في العالمين إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين ( ) ٧
[ الصافات : ٧٩ - ٨٠ ] لم تضراه.
ولما كان ابتداء الحال في تفجر الأرض كلها عيوناً وانهمار السماء انهماراً - مرشداً إلى أن الحال سيصير إلى ما أخبر الله به من كون الموج كالجبال لا ينجي منه إلا السب الذي اقامه سبحانه، تلا ذلك بأمر ابن نوح فقال عاطفاً على قوله ) وقال اركبوا ( ) ونادى نوح ابنه ) أي كنعان وهو لصلبه - نقله الرماني عن ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك ) وكان ) أي الابن ) في معزل ) أي عن أبيه في مكانه وفي دينه لأنه كان كافراً، وين أن ذلك المعزل كان على بعض البعد بقوله :( يا بني ( صغَّره تحنناً وتعطفاً ) اركب ( كائناً ) معنا ) أي في السفينة لتكون من الناجين ) ولا تكن ) أي بوجه من الوجوه ) مع الكافرين ) أي في دين ولا مكان إشارة إلى أن حرص الرسل عليهم السلام وشفقتهم - وإن كانت مع رؤية الآيات العظام والأمور الهائلة - ليست سباً للين القلوب وخضوع النفوس ما لم يأذن الله، انظر إلى استعطاف نوح عليه السلام بقوله ) يابني ( مذكراً له بالنبوة مع تصغير التحنن والتراؤف وفظاظة الابن مع عدم سماحه بأن يقول : يا أبت، ولم يلن مع ما رأى من الآيات العظام ولا تناهى لشيء منها عن تقحم الجهل بدلاً من العلم وتعسف الشبهة بدلاً من الحجة.
ولما كان الحال حال دهش واختلال.
كان السامع جديراً بأن لا يصبر بل يبادر إلى السؤال فيقول : فما قال ؟ فقيل :( قال ( قول من ليس له عقل تبعاً لمراد الله ) سآوي إلى جبل يعصمني ) أي بعلوه ) من الماء ) أي فلا أغرق ) قال ) أي نوح عليه السلام ) لا عاصم ) أي لا مانع نم جبل ولا غير موجود ) اليوم ) أي لأحد ) من أمر الله (


الصفحة التالية
Icon