صفحة رقم ٥٤١
أوضح من الشمس، قال تعالى منبهاً على ذلك :( تلك ) أي هذه الأنباء البديعة الشأن الغريبة الأمر البعيدة عن طوق المعارض، العلية الرتب عن يد المتناول ) من أنباء الغيب ( اي أخباره العظيمة، ثم أشار إلى انه لا يزال يجدد له امثالها بالمضارع في قوله :( نوحيها إليك ( فكأنه قيل : إن بعض أهل الكتاب يعلم بعض تفاصيلها، فأشار غلى ان ذلك مجموعة غيب وبما يعلمونه غيب نسبي بقوله :( ما كنت تعلمها ) أي على هذا التفصيل ) أنت ( ولما كان خفاءها عن قومه دليلاً على خفائها عنه لأنه لم يخالط غيرهم قال :( ولا قومك ( اي وإن كانوا أهل قوة في القيام على ما يحاولونه وعدداً كثيراً، ومنهم من يكتب ويخالط العلماء.
ولما كان زمان خفاء ذلك عنهم - وإن كان عاماً لهم - بعض الزمان الماضي، أدخل الجار فقالك ) من قبل هذا ( اي من إيحائي إليك حتى يطرق الوهم حينئذ أنك تعلمتها من أحد منهم وإن كان يعلم كثيراً منها أهل الكتاب كما رأيت عن نص التوراة فبان أن لا عرض لقومك إلا العناد ) فاصبر ( على ذلك ولا تفتر عن الإنذار فستكون لك العاقبة كما كانت لنوح لأجل تقواه ) إن العاقبة ) أي آخر الأمر من الفوز والنصر والسعادة ) للمتقين ) أي العريقين في مخافة الله في ل زمنن وقد تضمنت القصة البيان عما يوجبه حال أهل الخير والإيمان وأهل الشر والطغيان من الاعتبار بالنبأ عن الفريقين ليجتبي حال هؤلاء ويتقي حال أولئك لسوء العاقبة في الدنيا والآخرة.
ولما تم من ذلك ما هو كفيل بغرض السورة، وختم بأن العاقبة دائماً للمتقين، أتبع بالدليل على ذلك من قصص الأنبياء مع الوفاء بما سيقت له قصة نوح - على جميعهم السلام - من الحث على المجاهرة بالإنذار فقال تعالى :( وإلى ) أي ولقد ارسلنا غلى ) عاد أخاهم ( وبينه فقال :( هوداً ( ولما تقدم أمر نوح مع قومه، استشرف السامع غلى معرفة ما قال هود عليه السلام هل هو مثل قوله أو لا ؟ فاستأنف الجواب بقوله :( قال يا قوم ( الذين هم أعز الناس لدي ) اعبدوا الله ) أي ذا الجلال والإكرام وحده ؛ ثم صرح وعلل فقال :( ما لكم ( وأغرق في النفي فقال :( من إله ) أي معبود بحق ) غيره ( فدعا إلى أصل الدين كما هو دأب سائر النبين والمرسلين ؛ ثم ختم ذلك بمواجهتهم بما يسوءهم من الحق وما ثناه عن ذلك رجاء ولا خوف فقال :( إن ) أي ما ) أنتم إلا مفترون ) أي نتعمدون الكذب على الله في إشراككم به سبحانه لأن ما على التوحيد من أدلة العقل غير خاف على عاقل فكيف مع تنبيه النقل وذلك مكذب لمن اشرك، أي فاحذروا عقوبة المفتري ؛ ثم نفى ان يكون له في ذلك غرض غير نصحهم بقوله موضع ) إني ناصح لكم بهذا الأمر فلا يسوءكم مواجهتي لكم فيه بما تكرهون (


الصفحة التالية
Icon