صفحة رقم ٥٥٩
للأب، وكل هذا دليل على أنه لا يشك أنهم آدميون ولم يلم بخاطر أنهم ملائكة، فهو تنبيه للكفار على أنه لا ينتفع بإنزال الملائكة إلا البار الراشد التابع للحق ؛ ثم أنكر أشد الإنكار حالهم في أنهم لا يكون منهم رشبد حثاً على الإقلاع عن الغي ولزوم سبيل الرشد فقال :( أليس منكم رجل ( اي كامل الرجولية ) رشيد ( كامل الرشد ليكفكم عن هذا القبيح، فلم يكن منهم ذلك، بل ) قالوا لقد علمت ) أي يا لوط مجرين الكلام على حقيقته غير معرجين على ما كني به عنه ) ما لنا في بناتك ( وأغرقوا في ا لنفي فقالوا :( من حق ) أي حاجة ثابتة، ولم يريدوا به ضد الباطل لأن البنات والضيف في نفي حقهم عنهم سواء، وأكدوا معلمين بما لهم من الرغبة في الفجور وقاحة وجرأة فقالوا :( وإنك لتعلم ( إي علماً لا تشك فيه ) ما نريد ( وهو إتيان الذكور للتطرق والتطرف، فحملوا عرضه لبناته على الحقيقة خبثاً منهم وشرعوا يبنون على ذلك بوقاحة وعدم مبالاة بالعظائم، فأخبر تعالى عن قوله لهم على طريق الاستئناف بقوله :( قال ( اي متمنياً أن يكون له بهم طاقة ليروا ما يصنع من الإيقاع بهم متفجعاً على فوات ذلك ) لو أن لي بكم ) أي في دفعكم ) قوة ( بنفسي ) أو ( لو أني ) آوي ( من الأعوان والأنصار ) إلى ركن شديد ) أي جماعة هم كالركن الموصوف بالشدة لحلت بينكم وبين ما جئتم له، وحذفه ابلغ لذهاب النفس فيه كل مذهب ؛ والسوء : ما يظهر مكروه لصاحبه ؛ والعصيب : الشديد في الشر خاصة كأنه التف شره ؛ والقوة خاصة يمكن أن يقع بها الفعل أن لا يقع ؛ والركن : معتمد البناء بعد الأساس، واركن هنا من هو مثله ؛ والشدة : مجمع يصعب معه الإمكان، ووصفه الركن بالشدة وهو يتضمنها تأكيد يدل على أن قومه كانوا في غاية القوة والجلاة، وأنه كان يود معاجلتهم لو قد.
وذلك أن كادة ( ركن ) بكل ترتيب تدور على الرزانة، من ركن - بالضم بمعنى رزن، ويلزمهما القوة، ومنه الركن للجانب الأقوى والأمر العظيم وما يتقوى به من ملك وجند وغيره والعز والمنعة، ومن ذلك النكر بالضم للدهاء والفطنة، والنكر للمنكر والأمر الشديد وما يخرج من الزخير من دم أو قيح، نكر الأمر : صعب وطريق ينكور : على غير قصد، والمنكر ضد المعروف لأن الشيء إذا جهل صعب أمره، وتناكر القوم : تعادوا، والتنكر : الغير من حال يسر إلى حال يكره، والمكنر - كمحدث : الضخم السمج، ويلزم الرزانة أيضاً الميل والسكون، ومنه ركن إليه - بالفتح : مال وسكن، وركن بالمنزل - بالكسر : أقام ؛ والكنارة - بالكسر والتشديد : الشقة من ثياب الكتان، لأنه يمال إليه لبهجته، وكذا الكنارات للعيدان والطبول، والكران ككتاب للعود أو الصنج، أو يكون ذلك من الشدة لقوة أصواتها - والله أعلم.