صفحة رقم ٥٦٤
إسكندر نظرهم ظلمات عالم الغيوب حتى يظفروا بعين الحياة التي من شرب منها لا يموت - انتهى.
ولما دعا إلى العدل فيما بينهم وبين الله، دعاهم إلى العدل فيما بينهم وبين عبيده في اقبح ما كانوا قد اتخذوه بعد الشرك ديدناً فقال :( ولا تنقصوا ( اي بوجه من الوجوه ) المكيال والميزان ( لا الكيل ولا آلته ولا الوزن ولا آلته ؛ والكيل : تعديل الشيء بالآلة في القلة والكثرة ؛ والوزن : تعديله في الخفة والثقلن فالكيل للعدل في الكمية والوزن للعدل في الكيفية ؛ ثم عل ذلك بقوله :( إني أراكم بخير ) أي بسعة تغنيكم عن البخس - مرهباً ومرغباً بالإشارة للنقمة كما أن الشكر موجب للنعمة.
ولما كان كأنه قيل : فإني أخاف عليكم الفقر بالنقص، عطف عليه مؤكداً لإنكارهم :( وإني أخاف عليكم ( به وبالشرك ) عذاب يوم محيط ( بكم صغاراً وكباراً وبأموالهم طيباً وخبيثاً، اي مهلك كقوله
٧٧ ( ) وأحيط بثمره ( ) ٧
[ الكهف : ٤٢ ] وأصله من إحاطة العدو، ووصف اليوم بالإحاطة أبلغ لأنه محيط بما فيه من عذاب وغيره، والعذاب محيط بالمعذب فذكر المحيط بالمحيط أهول، وهو الدائر بالشيء من كل جانب، وذلك يكون بالتقاء طرفيه ؛ والنقصان : أخذ شيء من المقدار كما أن الزيادة ضم شيء إليه، وكلاهما خروج عن المقدار ؛ والوزن، تعديل الشيء بالميزان، كما أن الكيل تعديله بالمكيال، ومن الإحاطة ما رواه ابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لم ينقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا.
ولماكن عدم النقص قد يفهم منه التقريب، أتبعه بما ينفي هذا الاحتمال وللتنبيه على أنه لا يكفي الكف عن تعمد التطفيف، بل يلزم السعي في الإيفاء ولو بزيادة لا يتأتى بدونها، ولأن التصريح بالأمر بالشيء بعد النهي عن ضده أوكد، فقال مستعطفاً لهمبالتذكير بأنه منهم يسوءه ما يسءهم وبأنهم لما عطاهم الله من القوة جديرون بأن يعرضوا عن تعاطي سفساف الأخلاق ورذائلها :( ويا قوم ) أي أيها الذين لهم قوة في القيام فيما ينوبهم ) أوفوا ( اي أتموا إتماماً حسناً ) المكيال والميزان ) أي، المكيل