صفحة رقم ٥٦٩
فقال :( وما قوم لوط ) أي على قبح أعمالهم وسوء حالهم وقوة أخذهم ووبالهم ) منكم ببعيد ) أي لا في الزمان ولا في المكان فأنتم أجد الناس بذكر حالهم للاتعاظ بها، وإنما فسرت جرم بحمل لأن ابن القطاع نقل أنه يقال : جرمت الرجل : حملته على الشيء، وقد عزا الرماني تفسيرها بذلك للحسن وقتادة، ويجوز أن تفسر بما تدور عليه المادة من القطع، أي لا يقطعنكم شقاقي عن اتباع ما أدعوكم إليه خوف أن يصيبكم، وقد جوزه الرماني.
ولما رهبهم، أتبعه الترغيب في سياق مؤذن بأنهم إن لم يبادروا إلى المتاب بادرهم العذاب، بقوله عاطفاً لهذا الأمر على ذلك النهي المتقدم :( واستغفروا ربكم ) أي اطلبوا ستر المحسن إليكم، ونبه على مقدار التوبة بأداة التراخي فقال :( ثم توبوا إليه ( ثم علل ذلك مرغباً في الاقبال عليه بقوله :( إن ربي ) أي المختص لي بما ترون من الإحسان ديناً ودنيا ) رحيم ودود ) أي بليغ الإكرام لمن يرجع إليه بأن يحفظه على ما يرضاه بليغ التحبب إليه، ولم يبدأه بالاستعطاف على عادته بقوله : يا قوم، إشارة إلى أنه لم يبق لي وقت آمن فيه وقوع العذاب حتى اشتغل فيه بالاستعطاف، فربما كان الأمر أعجل من ذلك فاطلبوا مغفرته بأن بأن تجعلوها غرضكم ثم توصلوا إليها بالتوبة ؛ فثم على بابها في الترتيب، وأما التراخي فباعتبار عظم مقدار التوبة وعلو رتتها لأن الغفران لا يحصل بالطلب إلا إن اقتران بها، هذا الشأن في كل كبيرة في جنس الطاعات يقابله تكرر المعاصي فلا تقوى الطاعة على محوها وتكرر الطاعات يقابله تكرر المعاصي بالإصرار الذي هو بمنزلة تكرير المعصية في كل حال، فلما رأوه لا ينزع عنهم ولم يقدروا لكلامه على جواب، ايأسوه من اللرجوع غليه بأن أنزلوا أنفسهم عناداً في الفهم لهذا الكلام الواضح جداً إلى عداد البهائم، وهددوه فأخبر تعالى عنهم بذلك استئنافاً في جواب من يقول : ما قالوا بعد هذا الدعاء الحس ؟ بقوله :( قالوا يا شعيب ( منادين له باسمه جفاء وغلظة ) ما نفقه ) أي الآن لأن ( ما ) تخص بالحال ) كثيراً مما تقول ( وإذا لم يفهم الكثير من الكلام لم يفهم مقصوده، يعنون : خفض عليك واترك كلامك فإنا لا نفهمه تهاوناً به كما يقول الإنسان لخصمه إذا نسبه إل الهذيان : أنا لا أدري ما تقول، ولما كان غرضهم مع العناد قطع الأمر، خصوا عدم الفهم بالكثير ليكون أقرب إلى ألإمكان، وكأنهم - والله أعلم أشاروا إلى أنه كلام غير منتظم فلا حاصل له ولا لمضمونه وجود في الخارج.
ولما كان في ذلك إشارة إلى أنه ضعيف العقل لأن كلامة مثل كلام المجانين،


الصفحة التالية
Icon