صفحة رقم ٥٧٠
أتبعوه قولهم :( وإنا لنراك ) أي رؤية مجددة مستمرة ) فينا ضعيفاً ( اي في البدن وغيره، فلا تتعرض لسخطنا فإنك لا تقدر على الامتناع من مكروه نحله بك بقوة عقل ولا جسم ولا عشيرة، وأشاروا غلى ضعف العشيرة بتعبيرهم بالرهط في قولهم :( ولولا رهطك لرجمناك ) أي قتلناك شر قتلة - فإن الرهط من ثلاثة غلى عشرة وأكثر ما قيل : إن فخذه أربعون - فما أنت علينا بممتنع لضعفك وقلة قومك ) وما أنت ( اي خاصة، لأن ( ما ) لنفي الحال اختصاص بالزمان، والقياس أن يكون مدخولها فعلاً أو شبهه، وحيث أوليت الاسم لا سيما الضمير دل على أن التقديم للاهتمام والاختصاص ) علينا بعزيز ( بكريم مودود، تقول : أعززت فلاناً - إذا كان له عندك ود، بل قومك هم العزة عندنا لموافقتهم لنا، ولو كان المراد : ما عززت علينا، لكان الجواب : لم لا أعز وقد شرفني اله - أو نحو هذا، ويصح أن يراد بالعزيز القوي الممتنع، ويصير إفهامه لا متناع رهطه محمولاً على أن المانع لهم موافقتهم لهم لا قوتهم ؛ والفقه : فهم الكلام على ما تضمن من المعنى، وقد صار اسماً لضرب من علوم الدين، وأصل الرهط : الشدة، من الترهيط لشدة الأكل، ومنه الراهطاء : حجر اليربوع لشدته وتوثيقه ليخبأ فيه ولد.
هود :( ٩٢ - ٩٥ ) قال يا قوم.....
) قَالَ يقَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ وَيقَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ ( ( )
ولما كان تخصيصهم نفي العزة به يفهم أن رهطه عليهم أعزة، أنكر عليهم ذلك في سياق مهدد لهم فقال تعالى حاكياً عنه استئنافاً :( قال ( اي عيب ) يا قوم ( ولم يخل الأمر من جذب واستعطاف بذكر الرحم العاطفة ) أرهطي ( اي أقاربي الأقربون منكم ) أعز عليكم من الله ) أي المحيط بكل يء علماً وقدرةً حتى نظرتم غليهم فيّ لقرابتي منهم ولم تنظروا إلى الله في قربي منه بما ظهر عليّ من كرامته ) واتخذتموه ( اي بما كلفتم به أنفسكم مما هو خلاف الفطرة الولى ) وراءكم ) أي أعرضتم عنه إعارض من جعل الشيء وراءه ؛ وحقق معنى الوراء بقوله :( ظهرياً ) أي جعلتموه كالشيء الغائب عنكم المنسي عندكم الذي لا يعبأ به، ولم تراقبوه فيّ لنسبتي إليه بالرسالة والعبودية.
ولما كان معنى الكلام لأجل الإنكار : إنكم عكستم في الفعل فلم تعرفوا الحق لأهله إذ كان ينبغير لكم أن لا تنسوا الله بل تراقبوه في كل أموركم، حسن تعليل هذا