صفحة رقم ٥٧١
المفهوم بقوله :( إن ربي ) أي المحسن إليّ ؛ ولما كان المراد المبالغة في إحاطة عمله تعالى بأعمالهم قدم قوله :( بما تعملون محيط ( من جليل وحقير، فهو مقتدر في كل فعل من أفعالكم على إنفاذه وإبطاله، فهو محيط بكم لا يرده عن نصرتي منكم والإيقاع بكم مراعاة أحد لعزة ولا قوة، بل لكم عنده أجل هو مؤخركم إليه لأنه لا يخشى الفوت ؛ والاتخاذ : أخذ الشيء لأمر يستمر في المستأنف كاتخاذ البيت ؛ والمحيط : المدير على الشيء كالحائط يحصره بحيث لا يفوته منه شيء.
ولما ختم الآية بتهديدهم بما بين أن تهديدهم له عدم لا يبالي به، أتبع ما يصدقه من أنه ليس بتارك شيئاً من عمله مما جبلوا به، وزاد في التهديد فقال :( ويا قوم اعملوا ) أي أوقعوا العمل لكل ما تريدون قارين مستعلين ) على مكانتكم ) أي حالكم الذي تتمكنون به من العمل ) إني عامل ( على ما صار لي مكانة، أي حالاً أتمكن به من العمل لا أنفك عنه ما أنا عامل من تحذيري لمن كفر وتبشيري لمن آمن وقيامي بكل ما أوجب عليّ الملك غير هائب لكم ولا خائف منكم ولا طامع في مؤالفتكم ولا معتمد على سواه.
ولما كانت ملازمتهم لأعمالهم سبباً لوقوع العذاب المتوعد به ووقوعه سبباً للعلم بمن يخزي لمن يعلم أي هذين الأمرين يراد، ذكره بعد هذا التهديد فحسن حذف الفاء من قوله :( سوف تعلمون ) أي بوعد لا خلف فيه وإن تأخر زمانه، وسوقه مساق الجواب لمن كأنه قال : ما المراد بهذا الأمر بالعمل المبالغ قبل في النهي عنه ؟ وقد تقدم في قصة نوح عليه السلام ما يوضحه.
وأحسن منه نهم لما قالوا ) ما نفقه كثيراً مما تقول ( كذبهم - في إخراج الكلام على تقدير سؤال من هو منصب الفكر كله إلى كلامه - قائل : ماذا يكون إذا عملنا وعملت ؟ فهذا وصل خفي مشير إلى تقدير السؤال ولو ذكر الفاء لكان وصلاً ظاهراً، وقد ظهر الفرق بين كلام العالم بالإسباب وما يتصل بها من المسبباب المأمور بها اشرف خلقه ( ﷺ ) في سورة الأنعام والزمر والكلام المحكي عن نبيه شعيب عليه السلام في هذه السورة ) من ) أي أينا أو الذي ) يأتيه عذاب يخزيه ( ولما كان من مضمون قولهم ) ما نفقه كثيراً مما تقول ( النسبة إلى الكذب لأنه التكلم بما ليس له نسبة في الواقع تطابقه، قال :( ومن هو كاذب ) أي مني ومنكمن فالتقدير إن كانت ( من ) موصولة : ستعلمون المخزي بالعذاب والكذب أنا وأنتم، وإن كانت استفهامية : أينا يأتيه عذاب يخزيه وأينا هو كاذب، فالزموا مكانتكم لا تتقدموا عنها ) وارتقبوا ) أي انتظروا ما يكون من عواقبها.
ولما كانوا يكذبونه وينكرون قوله، أكد فقال :( إني معكم رقيب ( لمثل ذلك،