صفحة رقم ٥٨١
شيء، بل له أن يخلد العاصين في الجنة ويخلد الطائعين في النار، ولكنه كما ثبت ذلك ليعتقد لكونه من صفة الكمال ثبت أنه لا يفعل ذلك سبحانه ولا يبدل القول لديه لأن ذلك من صفات الكمال ايضاً مع أن في ختم الآية بذلك ترجية لأهل النار في إخراجهم منها زيادة في عذابهم.
هود :( ١٠٨ - ١١٢ ) وأما الذين سعدوا.....
) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَاسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( ( )
ولما تم أمر الأشقياء، عطف عليه قسيمهم فقال :( وأما الذين سعدوا ) أي فازوا بمطالبهم وتيسر أمرهم ) ففي الجنة ) أي التي صارت معلومة من الدين بالضرورة ) خالدين فيها ( دائماً ابداً ) ما دامت السموات والأرض ( على ما جرت به عادة العرب في إرادة التأبيد لا آخر بمثل هذا ) إلاّ ما شآء ربك ( وأدل دليل على ما قلت في الاستثناء قوله :( عطاء ( هو نصب على المصدر ) غير مجذوذ ( اي مقطوع ولا مكسور ولا مفصول - لعطاء من الأعطية ولا مفرق ولا مستهان به : لأنهملة انفكوا من النعيمحقيقة أو معنى ولو لحظة لكان مقطوعاً أو منقوصاً ؛ وفي الختم بذلك من الجزم بالدوام طمأنينة لأهل الجنة زيادة في نعيمهم عكس ما كان لأهل النار ؛ قال أبو الحسن الرماني : والزفير : ترديد النفس مع الصوت حتى تنتفخ الضلوع، وأصله الشدة من المزفور الخلق، والزفر : الحمل على الظهر، لشدته، والزفر : السيد لأنه يطيق حمل الشدائد، وزفرت النار - إذا سمعت لها صوتاً في شدة توقدها، والشهيق : صوت فظيع يخرج من الجوف بمد النفس، واصله الطول المفرط من قولهم : جبل شاهق اي ممتنع طولاً ؛ والخالد : الكائن في الشيء ابداً، والدائم : الباقي ابداً، ولهذا يوصف الله تعالى بالدائم دون الخالد.
ولما أخبره تعالى بوقوع القضاء بتمييز الناس في اليوم المشهود إلى القسمين المذكورين على الحكم المشروح مرهباً ومرغباً، كان ذلك كافياً في الثبات على أمر الله والمضيّ لإنفاذ جميع ما أرسل به وإن شق اعتماداً على النصرة في ذلك اليوم بحضرة تلك الجموع، فكان ذلك سبباً للنهي عن القلق في شيء من الأشياء وإن جل وقعه وتعاظم خطبه، فقال تعالى :( فلا ( ولماكان ما تضمنه هذا التقسيم أمراً عظيماً وخطباً