صفحة رقم ٧٢
شهر من ورائه وشهر من أمامه، ولكونه كان نبي الرحمة ما اقتضى ذلك الهلاك بل النجاة ولما أخبر سبحانه بهلاكهم وما سببه من أقوالهم وافعالهم، وكان للتخليص من العظمة في القلوب بتصوير المخلص للاذهان ما لا يخفى، لخص ذلك ذاكراً لأنه حل بهم بالخصوص - ما نسبةوا إلى المؤمنين من الخسارة فقال :( الذين كذبوا شعيباً ) أي نسبوه إلى الكذب فيما قاله عنا وايدنا فيه بالبينات ) وكان ) أي هم المخصصون بالهلاك حتى كأنهم ) لم يغنوا ) أي ينزلوا ويقيموا، وبطل مقامهم لاهين بالأفراح والغناء والاستغناء من المغاني وهي المنازل والاستغناء ) فيها ) أي الدار بسبب تكذيبهم ولما كان تكذيب الصادقين لا سيما الرسل في غاية الشناعة، كرره إشارة إلى ذلك وإعلاماً بأنه سبب لهم أعظم من هلاك الشباح ضد ما سبب التصديق للمؤمنين فقال :( الذين كذبوا شعيباً ) أي تكذيبه سبباً لهلاكهم ) كانوا ) أي بسبب التكذيب أيضاً ) هم ) أي خاصة ) الخاسرين ) أي خسروا أرواحهم كما خسروا أشباحهم فهم لما سوى ذلك أخسر، وأما الذين اتبعوه فما نالهم شيء من الخسار، وفي هذا الاستئناف والابتداء والتكرير مبالغة في رد مقالة الملأ لأشياعهم وتسفيه لآرائهم واستهزاء بنصحهم لقومهم واستعظام لما جرى عليهم.
ولما صارت تلك الدار محل الغضب، سبب ذلك أن هاجر عنها كما كانت عادة من قبله من الأنبياء عليهم السلام، فقال :( فتولىعنهم ( بعد نزول العذاب وقبله عند رؤية مخايلةذاهباً إلى مكان غيره، يعبد ربه فيه ) وقال ( متأسفاً على ما فاته من هدايتهم ) ياقوم ) أي يا عشيرتي وأقرب الناس إلّي ) لقد أبلغتكم ( ولعله جمع لأجل كثرة ما أتهاهم به من المعجزات فقال :( رسالات ربي ) أي المحسن إلّي بإنجائي ومن تبعني من عذابكم لتوفيقه لنا إلى ما يرضيه ) ونصحت ) أي وأوقعت النصح ) لكم ) أي خاصة ولما كان هذا مفهماً لما طبع البشر من الأسف أهله وعشيرته، سبب عنه منكراً على نفسه قوله :( فكيف آسى ) أي أحزان حزناً شديداً ) على قوم كافرين ) أي عريقين في الكفر، فعرف أنه أسف عليهم من أجل قربهم وفوات الإيمان لهم غير آسف عليهم من أجل كفرهم، وتخصيص تكرير هذه القصص الخمس على هذا الترتيب في كثير من سور القرىن - دون قصة إبراهيم عليه السلاتم وهوأعظمهم - لانتظامهم في أنهم أقرت أعينهم بأن رأوا مصارع من خالفهم، وأما إبراهيم عليه السلام فإنه وقع النص في قوله
٧٧ ( ) إني ذاهب إلى ربي سيهدين ( ) ٧
[ الصافات : ٩٩ ] بأنه خرج من بين قومه قبل عذابهم ولم يسلك به سبيلهم في إقرار عينه بإهلاك من كذبه بحضرته، وهو افضلهم لأن