صفحة رقم ٧٣
الكائن في قصته أعظم في الأفضلية، وهو طبق ما اتفق لولده أفضل البشر نبينا محمد ( ﷺ )، وانظر إلى قوله تعالى
٧٧ ( ) وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ( ) ٧
[ الأنفال : ٣٣ ] تعرف ما في هذا المقام من الإكرام، وأن الأمر كما قيل : لعين تجازي ألف عين وتكرم.
ولما قدم سبحانه إجمال الإنذار بما اشتركت فيه الأمم من الإهلاك بقوله تعالى :
٧٧ ( ) وكم من قرية أهلكناها ( ) ٧
[ الأعراف : ٤ ] الآية، ثم أتبعه - بعد تقديم ما يحتاج إليه على النظم الذي سبق التنبيه عليه - تفصيل ما انفردت به كل أمه من العذاب الحاث على سبيل الصواب، أتبع ذلك إجمالاً آخر أبسط من الأول على نمط غريب دال على عادته المستمرة وسنته المستقرة في شرح حال هؤلاء الأمم الذين ذكرهم وغيرهم، لئلا يظن أن غيرهم كان حاله غير حالهم، فبين أن الكل على نهج واحد وأن السبب في استئصالهم واحد، وهو التكذيب والاستكبار على الحق، ليكون الإجمال كالضوابط والقواعد الكلية لتنطبق على الجزيئات.
وذلك الاستبصار بما يكون من نافع أو ضار وعدم الاغترار بأحوال المستدرجين الأشرار متكفل بالتسلية لنبيه ( ﷺ ) والتأسية، متقدم على قصة موسى وهارون عليهما السلام لطولها وتعجيلاً بما في ذلك من مصارع الإنذار بقوله تعالى :( وما ) أي أرسلنا فلاناً فكان كذا وفلاناً فكان كذا، وما ) أرسلنا ) أي بما لنا من العظمة ) في قرية ) أي من قرى أولئك وغيرهم ) من نبيِّ ) أي من الأنبياء الذين تقدموك ) ا ( إلا كان ما نخبر به من ترهيبهم من سطواتنا وهوأنا ) أخذنا ) أي بعظمتنا ) أهلها ) أي أخذ قهر وسطوة، أي لأجل استكبارهم عن الحق ) بالبأساء ) أي قهر المساءة حال من يرجى تضرعه وتذلله وتخضعه لمن لا يكشف ذلك عنه غيره ولو كان التضرع في أدنى المراتب - على ما أشار إليه الإدغان، لأن ذلك كاف في الإنقاذ من عذاب الإنذار الذي هذه سورته بخلاف ما مضى في الأنعام ولما لم يتضرعوا صادقين من قلوبهم معترفين بالحق لأهله كما يحق له، استدراجهم بإدرار النعم، فقال مشيراً إلى طول مدة الابتلاء واستبعادهم لكشف ذلك البلاء :( ثم بدلنا ( ومظهر العظمة يؤيد الاحتمال الثاني ) مكان ) أي جعلنا بدل كثروا وكثرت نعمهم فلم يشكروا ) وقالوا ( مسندين الأمر إلى غير أهله ) قد مس آباءنا الضراء ) أي الشدة ) والسراء ) أي الرخاء والنعمة، معتقدين أن هذه عادة الدهر لا فعل الفاعل المختار.
ولما لم يعتبروا ويعملوا أن ذلك ممن يحب أن لا يعدل عن بابه ولا يغفل عن


الصفحة التالية
Icon