صفحة رقم ٧٧
بالمعجزات فاصبروا على ذلك التكذيب ووقفوا لذلك الطبع مع حظوظهم، ومنعتهم شماختهم وشدة شكائمهم عن الإيمان لئلا يقال : إنهم خافوا أولا فيما وقع منهم من التكذيب فكانوا فيه على غير بصيرة، أو إنهم خافوا ثانياً ما قرعتهم به الرسل من الوعيد، فدخلوا جنباً فيما يعملون بطلانه، فكان تزيين هذا لهم طبعاً على قلوبهم فكأنه قيل : إن هذا العجب هليقع في مثل ذلك أحد ؟ فقيل : نعم مثل ما طبعنا على قلوبهم، فكانه قيل : إن هذا العجب هل يقع في مثل ذلك أحد ؟ فقيل : نعم مثل ما طبعنا على قلوبهم حتى صارت مع الفهم لا تنتفع، ن فكأنها لا تفهم فكأنها لا تسمع ) كذلك يطبع الله ) أي الجامع لصفات الكبر ونعوت الجلال بما يجعل من الرين بما له من العظمة ) على قلوب الكافرين ) أي كل من يغطي ما أعطاه الله من نور العقل بما تدعوه إليه نفسه من الهوى عريقاً في الاتصاف بذلك فيترك آيات الله.
ولما كان نقض العهد أفظع سيء ولا سيما عند العرب، قال عاطفاً على ( فما كانوا ) ) وما وجدنا ) أي في عالم الشهادة ) لأكثرهم ) أي الناس، أكد الاستغراق فقال :( من عهد ( طبق ما كان عندنا في عالم الغيب، وهذا إما إشارة إلى الميثاق يوم ) ألست بربكم ( إن كان ذلك على حقيقة، أو إلى ما يفعلون حال الشدائد من إلاعلاق عن المعاصي والمعاهدة على الشكر
٧٧ ( ) لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين ( ) ٧
[ يونس : ٢٢ ] ( أو إلى إقامة الحجج بإضافة العقول ونصب الدلة، فصار بنصبها وإيضاحها للعقول كأنه أخذ العهد على من عقل أنه يبذل الجهد في التأمل ولا يتجاوز ما أبداه له صحيح النظر ) وإن ) أي وإنا ) وجدنا ) أي خارجين عن دائرة العهد مارقين مما أوقفهم عند الحد عرقين في ذلك طبق ما كنا نعلمه في عالم الغيب، وما أبرزناه في عالم الشهادة إلا لنقيم عليهم به الحجة على ما يتعارفونه بينهم في مجاري عاداتهم ومدارك عقولهم ولما انقضى بيان هذا الإجمال الخالع لقلوب الرجال، أتبعه الكشف عما كان بعد قصة شعيب عليه السلام من قصة صهره موسى عليه السلام مع فرعون وقومه، وهي كالدليل على آيات الإجمال كما كانت القصص الماضية كالدليل على ما في اول السورة من الإجمال، فإن قصة فرعون مشتملة على الأخذ بالبأساء والضراء، ثم الإنعام بالرخاء والسراء، ثم الأخذ بغته بسبب شدة الوقوف مع الضلال بعد الكشف الشافي والبيان لما على قلوبهم من الطبع وما قادت إليه الحظوظ من الفسق، وكانه فصلها عن القصص الماضية تنويهاً بذكرها وتنبيهاً على عليّ قدرها، لأن معجزات من كان قبله، وجهل من عالجهم كان أعظم وأفحش من جهل تلك الأمم، ولذلك عطفها بأداة البعد مع قرب زمنها من التي قبلها إشارة إلى بعد رتبتها بما فيها من