صفحة رقم ٨
ولما كان المراد بالقرية اهلها، بينه بقوله لأنه إذا حذف المضاف جاز فيه اعتباران بحسب ما يحسن من المعنى : أن لا يلتفت إليه - كما في اول الآية، وإن يلتفت إليه.
كما في هذا الأخير لبيان أن الأهل هم المقصودون بالذات لأنه موضع التهديد :( أو هم قائلون ( اي نائمون وقت القائلة أو مستريحون من غير نوم كما أهللك قوم شعيب عليه السلام، يعني أنهم كانوا في كل من الوقتين غافلين بسبب أنهم كانوا آمنين لم يظنوا أن شيئاً من اعمالهم موجب للعذاب ولا كانوا مترقبين لشيء منه، فالتقدير : بياتاً هم فيه بائتون اي نائمون، أو قائله هم فيها قائلون أي نا ئمون، فالآية من الاحتباك : دل إثبات ( بياتاً ) أولاً على حذف ( قائلة ) ثانياً، وإثبات ( هم قائلون ) ثانياً على حذف ( هم نائمون ) أولاً، والذي أرشدنا إلى هذا المعنى الحسن سوق ( هم ) من غير واو، وهذا قريب من قوله تعالى فيم يأتي
٧٧ ( ) أفأمن أهل القرى أن يأتيهم باسنا بياتاً وهم نائمون ( ) ٧
[ الأعراف : ٩٧ ] فالأقرب ان يكون المحذوف أولاً نائمون، وثانياً نهاراً، فيكون التقدير : بياتاً هم فيه نائمون، أو نهاراً هم فيه قائلون، وبين عظمة ما جاءهم وهوله بأنهم في كل من الوقتين لم يقع في فكر أحد منهم التصويت إلى مدافعته بما سبب عن ذلك من قوله ) فما كان دعواهم ) أي قولهم الذي استدعوه ) إذ جاءهم بأسنا ( اي بما لنا من العظمة ) إلا أن قالوا ( ألا قولهم ) إنا كنا ) أي بما لنا من الجبلة ) ظالمين ) أي في انا لم نتبع من انزل إلينا من ربنا فلم يفدهم ذلك شيئاً غير شدة التحسر ؛ ثم سبب عما مضى من امر الرسول والأمم قوله دفعاً لوهم من يظن أن الأمر انقضى بما عذبوا به في الدنيا :( فلنسئلن ) أي بما لنا من العظمة على جهة التوبيخ والتقريع للعصاة والتشريف والتعظيم للمطيعين، وأظهر موضع افضمار تعميقاً فقال :( الذين ( ولما كانت الملامة على تكذيب الرسول لا بقيد كونه معيناً بنى للمفعول قوله :( أرسل إليهم ) أي وهم الأمم، هل امتثلوا أوامرنا وأحجموا عند زواجرنا كما أمرتهم الرسل أم لا ) ولنسئلن ) أي بعظمتنا ) المرسلين ) أي هل كان في صدورهم حرج مما أرسلناهم به وهل بلغوه أم لا يوم تكونون شهداء على الناس بما عملتم من شهادتي في هذا القرآن ويكون الرسول عليكم شهيداً فإنا لا بد أن نحييكم بعد الموت ثم نسألكم في يوم تظهر فيه السرائر وتنكشف - وإن اشتد خفاؤها - الضمائر، ولنرين الأفعال والأقوال، ولا نترك سيئاً من الأحوال.
ولما كان السؤال يفهم خفاء المسؤول عنه على السائل، سبب عن ذلك ما يزيل هذا الوهم بقوله مؤذناً بانه أعلم من المسؤولين عما سألهم عن :( فلنقصن ) أي بما لنا من صفات العظمة المستلزمة لكل كمال ) عليهم ) أي المسؤولين من الرسل وأممهم جميع أحوالهم وما يستحقون من جزائها ) بعلم ) أي مقطوع به لا مظنون، فقد كنا معهم في جميع تقلباتهم ) وما كنا ) أي في وقت من الأوقات كما هو مقتضى ما لنا من


الصفحة التالية
Icon