صفحة رقم ٨٢
السحرة كانوا في ذلك الزمان عندهم في غاية الكثرة، ويدل على أن في طبع الناس المعارضة، فمهما أمكنت بطلت دعوى النبوة، وإذا تعذرت صحت الدعوى ولما كان التقدير، فاخر أمرهما وارسل كما قالوا، فجمعوا من وجدوه منهم، عطف عليه قوله :( وجاء السحرة فرعون ( ولما تشوف السامع إلى خبرهم، قال مجيباً له استئنافاً :( قالوا ) أي لفرعون حضروا بين يديه متوثقين لنفع أنفسهم مفهمين له أنهم غالبون، لا مانع لهم من ذلك إلا عدم إنصافهم، سائقين للكلام في قراءة الجماعة مساق الاستفهام أدباً معه في طلب الإكرام :( أئن لنا لأجراً ( وأكدوا طلباً لإخراج الوعد على حال التكذيب ) إن كنا نحن ) أي خاصة ) الغالبين ( ومن أخبر أراد الاستفهام وهم نافع وابن كثير وحفص عن عاصم ) قال ) أي فرعون ) نعم ) أي لكم أجر مؤكد الخبر به، وزاد بيان التاكيد بما زادهم به رغبة في قوله :( وإنكم ) أي زيادة على ذلك ) لمن المقربين ) أي عندي في الحضرة.
ولما فرغوا من محاورته، تشوف السامع إلى قولهم لموسى عليه السلام، فاستأنف قوله جواباً :( قالوا ( بادئين باسمه ) ياموسى ( مخبرين له أدباً معه كما هي عادة عقلاء الخصام قبل وقوع الخصام في سياق مفهم أن قصدهم الإلقاء أولاً، وذلك قولهم :( وإما أن نكون نحن ) أي خاصة ) الملقين ) أي لما معنا أولاً ولما فهم موسى عليه السلام مرادهم مما عبر هذا النظم عن حقيقة معناه من تاكيد ضميرهم المتصل بالمنفصل وتعريف الخبر وإقحام الفصل، وكان واثقاً من الله تعالى بما وعده به جارياً مع مراده، لا فرق بين أن يتقدم أو يتاخر ؛ أجابهم إلى سؤالهم.
وهو أوقع في ازدراء شأنهم، فاستانف سبحانه الخبر عنه بقوله :( قال ألقوا ) أي أنتم أيها السحرة ما تريدون إلقاءه، وهو أمر تعجيز ولما أذن لهم بادروا إلى ذلك كما أفهمه العطف بالفاء في قوله :( فلما ألقوا ) أي ماأعدوه للسحر ) سحروا أعين الناس ) أي عن صحة إدراكها حتى خيلوا إليها ما لا على بعض، وبعثوا جماعة ينادون : أيها الناس احذروا ) واسترهبوهم ) أي وأوجدوا رهبتهم إيجاد راغب فيها طالب لها غاية الطلب ولما قيل ذلك، كان ربما ظن أنهم خافوا مما لا يخاف من مثله، فقال تعالى مبيناً أنهم معذورن في خوفهم :( وجاؤوا بسحر عظيم ( قال صاحب كتاب الزينة :


الصفحة التالية
Icon