صفحة رقم ٨٤
عالين، ولا ذل ولا صغار اعظم في حق المبطل من ظهور بطلان قوله على وجه لا يكون فيه حيلة ولما كان الأدب وذل النفس لا يأتي إلا بخير، لأنه اللائق بالعبيد، قاد كثيراً منهم إلى السعادة الأبدية، فالذلك قال :( وألقى السحرة ) أي ألقاهم ملقى الخوف من الله والشوق إلى الخضوع بين يديه والذل لديه حين عرفوا أن ما فعله موسى عليه السلام أمر سماوي، صدق الله تعالى به موسى عليه السلام في انه رسوله، ولم يتاخروا بعد ذلك أصلاً حتى كانهم خروا من غير اختيار ) ساجدين ( شكراً لله تعالى وانسلاخاً عن الكفر ودليلاً على أقصى غايات الخضوع، فعل الله ذلك بهم حتى تبهر به فرعون وملأه وتحير عقولهم ولما كانوا بمعرض التشوق العظيم إلى معرفة قولهم بعد فعلهم، أخبر عنذلك سبحانه بقوله :( قالوا ) أي حال إلقائهم للسجود ) آمنّا ) أي كلنا ) برب العالمين ( أ ي الذي خلق فرعون ومن قبله وما يعيشون به ؛ خصوا من هداهم الله على أيديهم تصريحاً بالمراد وتشريفاً لهما فقالوا :( رب موسى ( ثم أزالو الشبهة بحدذافيرها - لأن فرعون ربما ادعى بتربية موسى عليه السلام أنه المراد - بقولهم :( وهارون ( وفي الآية دليل على أن ظهور الآية موجب للإيمان عند ظهرت له، ولو أن الرسول غير مرسل إليه.
ولما صرحوا بالذي آمنوا به تصريحاً منع فرعون أن يدلس معه بما يخيل به على قومه، شرع في تهديدهم على وجه يمكر فيه بقومه ويلبس عليهم إيقافاً لهم عن المبادرة إلى الإيمان - كما بادر السحرة - إلى وقت ما، فاستانف الخبر عنه سبحانه بقوله مصرحاً باسمه غير مضمر له كما في في غير هذه السورة لأن مقصود السورة الإتذار، وهو أحسن الناس بالمناداة عليه في ذلك المقام، وقصته مسوفة لبيان فسق الأكثر، وهو أفسق أهل ذلك العصر :( قال فرعون ( منكراً عليهم موبخاً لهم بقوله :( آمنتم ) أي صدقتم ) به ) أي موسى تصديقاً آمنه من روجوعكم عنه، ومن أخبر أراد من دلائل صدق موسى عليه السلام واقتداء بالسحرة بقوله :( قبل أن آذن لكم ( ليوقفهم من خطر المخالفة له بما رجاهم فيه من إذنه، فلما ظن أنهم وقفوا خليهم بما يذهب عنهم ذلك الخاطر أصلاً ورأساً بقوله مؤكداً نفياً لما أرادوا وتنسية لخاطر الإيمان فقال :( مكرتموه في المدينة ) أي على ميعاد بينكم وبين موسى، وحيلة احتلموها قبل اجتماعكم، وليس إيمانكم لأن صدقه