صفحة رقم ١٠٩
يصح دعاؤه ) إلى الله ( الحائز لجميع الكمال حال كوني ) على بصيرة ) أي حجة واضحة من أمري بنظري الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة وترك التقليد الدال على الغباوة والجمود، لأن البصيرة المعرفة التي يتميز بها الحق من الباطل ديناً ودنيا بحيث يكون كأنه يبصر المعنى بالعين.
ولما كان الموضع في غاية الشرف، أكد الضمير المستتر تعييناً وتنبيهاً على التأهل لظهور الإمامة، فقال :( أنا ومن ) أي يدعو كذلك من ) اتبعني ( لا كمن هو على عمى جائر عن القصد، حائر في ضلال التقليد، فهو لا يزال في غفلة هدفاً للحتوف ؛ والاتباع : طلب الثاني اللحاق بالأول للموافقة في مكانه أو في أمره الذي دعا إليه، ومما دخل تحت ) قل ( عطفاً على ) أدعوا ( قوله : منبهاً على أن شرط كل دعوة إليه سبحانه اقترانها بتنزيهه عن كل شائبة نقص - ) وسبحان الله ) أي وأسبح الذي اختص بصفات الكمال سبحاناً، أي أقدره حق قدره فأثبت له من صفات الكمال ما يليق بجلاله، وأنزهه عما هو متعال عنه تنزيهاً يعلم هم أنه يليق بجلالة ويرضى به، وفي تخصيص الله بذلك عقب ما أثبت له ولأتباعه تلويح بنسبة النقص إليهم تواضعاً، اعتذاراً عما يلحقهم من الوهن وطلباً للعفو عنه ) وما أنا ( وعدل عن ( مشركاً ) إلى أبلغ منه فقال :( من المشركين ) أي في عداد من يشرك به شيئاً بوجه من الوجوه، لأني علمت بما آتاني من البصيرة أنه منعوت بنعوت الكمال، منزه عن سمات النقص، متعال عنها، وأن ذلك أول واجب لأنه الواحد الذي جل عن المجانسة، القهار الذي كل شيء تحت مشيئته، وفسرت ) سبحان ( بما تقدم لأن مادة ( سبح ) بكل ترتيب تدور على القدر والشدة والاتساع ؛ وتارة يقتصر فيه على الكفاية ومنه الحسب : مقدار الشيء.
وتارة يقتصر فيه على الكفاية فيلزمه الحصر ومنه : أحسبني الشيء : كفاني، واحتساب الأجر : الاكتفاء به، والحساب : معرفة المقدار، والحسب بمعنى الظن راجع إلى ذلك أيضاً، والأحسب : الذي ابيضت جلدته من داء وفسدت شعرته، بمعنى أن ذلك الداء كفاه في الفساد عن كل داء كأنه ما بقي يسع معه داء، والتحسيب : التكفين بما يسع الميت، وهو كفاية له لا يحتاج بعده إلى شيء، ومنه الحبس وهو المنع من مجاوزة الكفاية ؛ وتتجاوز الكفاية فيسبح ويتسع مداه فلا ينحصر ومنه : الحسب - بالتحريك، وهو الشرف ؛ ومنه السحب وبه سمي السحاب لانسياحه في الهواء ؛ ومنه السبح في الماء، ومد الفرس يديه في الجري، والسبحة : صلاة التطوع - لأنه لا حد لها يحصرها، ولأنها تجاوزت الفرض، والسبح : الفراغ - للتمكن معه من الانبساط، والتسبيح : التنزيه - لأنه الإبعاد عن النقص، قال الرماني : وأصله البراءة من الشيء، وقال ابن مكتوم في الجمع