صفحة رقم ١١٤
ويبتكونهم ويستهزئون بهم، واستمر ذلك من حالهم وحالهم، قال مشيراً إلى ذلك :( حتى إذا استيئس الرسل ) أي يئسوا من النصر يأساً عظيماً كأنهم أوجدوه أو طلبوه واستجلبوه من أنفسهم ) وظنوا أنهم قد كذبوا ) أي فعلوا فعل اليأس العظيم اليأس الذي ظن أنه قد أخلف وعده من الإقبال على التحذير والتبشير والجواب - لمن استهزأ بهم وقال : ما يحبس ما وعدتمونا به - بإن ذلك أمره إلى الله، إن شاء أنجزه، وإن شاء أخره، ليس علينا من أمره شيء ؛ ويجوز أن يراد أنهم لمن استبطؤوا النصر وضجروا مما يقاسون من أذى الأعداء، واستبطاء الأولياء ) حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه ( كما يقول الآئس ) متى نصر الله ( مع علمهم بأن الله تعالى له أن يفعل ما يشاء، عبر عن حالهم ذلك بما هنا - نقل الزمخشري في الكشاف والرازي في اللوامع معناه عن ابن عباس رضي الله عنهما، هذا على قراءة التخفيف، وأما على قراءة التشديد فالتقدير : وظنوا أنهم قد كذبهم أتباعهم حتى لقد أنكرت عائشة رضي الله عنها قراءة التخفيف، روى البخاري في التفسير وغيره عن عروة بن الزبير أنه سألها عن القراءة : أهي بالتشديد أم التخفف ؟ فقالت : إنها بالتشديد، قال قلت : فقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم فما هو بالظن، قالت : أجل، لعمري لقد استيقنوا بذلك فقلت لها : وظنوا أنهم قد كذبوا فما هو بالتخفيف - قالت : معاذ الله لم تكت الرسل تظن ذلك بربها، قلت : فما هذه الآية ؟ قالت : هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم، فطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النصر، حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم وظنوا أنهم أتباعهم قد كذبوهم جاءهم نصرالله عند ذلك.
) جاءهم نصرنا ( لهم بخذلان أعدائهم ) فنجي من نشاء ( منهم ومن أعدائهم ) ولا يرد بأسنا ) أي عذابنا لما له من العظمة ) عن القوم ) أي وإن كانوا في غاية القوة ) المجرمين ( الذين حتمنا دوامهم من الأمم، وكل ذلك إعلام بأن سنته جرت بأنه يطيل الامتحان، ويمد زمان الابتلاء والاعتبار، حتاً للأتباع على الصبر وزجراً للمكذبين عن التمادي في الاستهزاء.
ومادة ( كذب ) تدور على ما لا حقيقة له، وأكثر تصارفها واضح في ذلك، ويستعمل في غير الإنسان، قالوا : كذب البرق والحلم والرجاء والطمع والظن، وكذبت العين : خانها حسها، وكذب الرأي : تبين الأمر بخلاف ما هو به، وكذبته نفسه : منته غير الحق، والكذوب : النفس، لذلك، وأكذبت الناقة وكذبت - إذا ضربها الفحل