صفحة رقم ١٤٠
الرعد :( ١٧ ) أنزل من السماء.....
) أَنَزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ ( ( )
ولما كان حمل الماء في العلو لا يمكن إلا عن قهر، وإنزاله في وقت دون غيره كذلك، أتبع هذا الختم قوله دليلاً مشاهداً عليه :( أنزل ( ولما كان الإنزال قد يتجوز به عن إيجاد ما يعظم إيجاد ما يعظم إيجاده، حقق أمره بقوله :( من السماء ( ولما كان المنزل منها أنواعاً شتى قال :( ماء فسالت ) أي فتسبب عن إنزاله لكثرته أن سالت ) أودية ) أي مياهها منها الكبير والصغير ؛ والوادي : سفح الجبل العظيم الذي يقابله جبل أو تل فيجمع فيه المطر، فيجري في فضائه، ومنه أخذت الدية - لجمع المال العظيم الذي يؤدي عن القتل ) بقدرها ( والقدر : اتزان الشيء بغيره من غير زيادة ولا نقصان، فالمعنى أن المياه ملأت الأودية مع ما ذلك من الدلالة على التفرد بالربوبية مما هو مثال للحق والباطل، وهو قوله :( فاحتمل ( والاحتمال : رفع الشيء على الظهر بقوة الحامل له ) السيل ( وهو ماء المطر الجاري من الوادي بعظم ) زبداً رابياً ) أي عالياً بانتفاخه : والزبد : الرغوة التي تعلو الماء، ومدار المادة على الخفة، ويلزمها العلو، ومنه زبد البحر والبعير - للرغوة الخارجة من شدقه، والغضبان، وزبدت المرأة القطن - إذا نفشته، والزباد - كرمان : ضرب من النبت تنفرش أفنانه، وشاة مزبدة أي سمينة، ومنه الزباد - للطيب المعروف وهو وسخ يشبه الرغوة يجتمع تحت ذنب نوع من السنانير، ومنه الزبد - بضم وسكون - لخالص اللبن فإنه أخفه، يقال منه : زبدت فلاناً أزبده - إذا أطعمته الزبد، ثم اتسع فيه حتى قيل لمطلق العطية، ومنه :( نهى النبي ( ﷺ ) وعلى آله وسلم عم زبده اللبن الزبادُ للنبت، فإنه مرعى ناجع، كأنه شبه به أو لأنه سببه، وكذا شاة مزبدة أي سمينة ويلزم الخفة الإسراع، يقال : تزبد اليمين - إذا أسرع إليها، أو إنها شبهت بالزبد في سهولة التقامه.
ولما الزبد أحسن مثل لمعبوداتهم، وكان لا يختص بالماء الذي هو مائع بطبعه بجمع الأوضار والأقذار بجريه، وذكر معه ما يشبهه في النفع من الجوامد الصلبة التي تزبد عند الإذابة مع كونها في حال الجمود في غاية الصفاء والخلوص عن الشوائب على ما يظهر، فقال :( ومما يوقدون ) أي إيقاداً مستعلياً ) عليه ) أي للإذابة ) في النار ( من المعادن ) ابتغاء حلية ( تتحلون بها من الأساور والحلق ونحوها ) أو ( ابتغاء ) متاع ( تتمتعون به من الدراهم والدنانير والسيوف والأواني ونحوها، وأصل المتاع :