صفحة رقم ١٥٥
عرف ما هم عليه من سخافة العقول وركاكة الآراء، ثم قل لهم : أرجعتم عن ذلك إلى الإقرار بأنهم من جملة عبيده ) أم تنبئونه ) أي تخبرونه إخباراً عظيماً ) بما لا يعلم ( وعلمه محيط بكل شيء ) في الأرض ( من كونها آلهة ببرهان قاطع.
) أم بظاهر من القول ) أي بحجة إقناعية تقال بالفم، وكل ما لا يعلمه فليس بشيء، وهذا قريب مما مضى في قوله
٧٧ ( ) أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه ( ) ٧
[ الرعد : ١٦ ] في أنه لو كان كذلك كان شبهه فيها ظهور ما، وهذه الأساليب منادية على الخلق بالعجز، وصادحة بأنه ليس من كلام الخلق.
ولما كان التقدير : ليس على شيء من ذلك برهان قاطع ولا قول ظاهر، بنى عليه قوله :( بل زين ) أي وقع التزيين بأمر منلا يرد أمره على يد من كان ) للذين كفروا ) أي لهم، وعبر بذلك تنبيهاً على الوصف الذي دلاهم إلى اعتقاد الباطل، وهو ستر ما أدى إليه برهام العقل المؤيد بدليل النقل ) مكرهم ) أي أمرهم الذي أرادوا به ما يراد بالمكر من إظهار شيء وإبطان غيره، وذلك أنهم أظهروا أن شركاءهم آلهة حقاً، وهم يعلمون بطلان ذلك، وليس بهم في الباطن إلا تقليد الآباء، وأظهروا أنهم يعبدونها لتقربهم إلى الله زلفى ولتشفع لهم، أو أنهم غيروا في وجه الحق بما ختلوا به الضعفاء وتمادى بهم الحال حتى اعتقدوه حقاً.
ومادة مكر بأي ترتيب كان : مكر، ركم، رمك، كرم، كمر ؛ تدور على التغطية والستر، فالمكر : الخديعة، قالوا : وهو الاحتيال بما لايظهرن فإذا ظهر فذلك الكيد، ويلزم منه الاجتهاد في ضم أشتات الأمر لستر ما يراد، فمن الضم المكرالذي هو حسن خدالة الساق أي امتلائها، ويلزم منه خصب البدن ونعمته، وكان منه المكر - لضرب من النبات، والواحدة مكرة، سميت مكرة لارتوائها، أبو حنيفة : المكر من عشب القيظ، وهي عشبة غبراء ليس فيها ورق، وهو ينبت في السهل والرمل - كأنه شبه بالساق لخلوه من الورق أو لأنهة لغبرته وتجرده كالمستور، والمكر : طين أحمر يشبه بالمغرة - كأنه سمي بذلك لما فيه من الكدارة، والمكرة من البسر : التي ليست برطبة ولكن فيها لبن - كأنها سميت به لكون لونها حينئذ يأخذ في الكدارة ؛ والركم : إلقاء الشيء بعضه على بعض فهو مركوم وركام، وتراكم الشيء - إذا تكاثف بعضه على بعض، وذلك مظنة الخفاء، والركمة : الطين المجموع وكذا التراب المجموع، وقال : وجُز عن مرتَكم الطريق - يريد المحجة، لأن ترابها تلبد فاشتد تلبده، والرمك والرمكة - بالضم - من ألوان الإبل وهو أكدر من الروقة وهو لون خالطت غبرته سواداً، فهو أرمك - لأنه مظنة


الصفحة التالية
Icon