صفحة رقم ١٨٣
وبين أن الماء غير عام لجميع أرضها بإدخال الجار فقال :( من تحتها الأنهار ( فهي لا تزال ريّاً، لا يسقط ورقها ولا ثمرها فداخلها لا يبغي بها بدلاً ) خالدين فيها (.
ولما كانت الإقامة لا تطيب إلا بإذن المالك قال :( بإذن ربهم ( الذي أذن لهم - بتربيته وأحسانه - في الخروج من الظلمات إلى النور، وقرىء ( وأدخل ) على التكلم فيكون عدل عن أن يقول ( بإذني ) إلى ) بإذن ربهم ( للإعلام بالصفة المقتضية للرحمة كما قال تعالى ) ) إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك ( ) [ الكوثر : ١ ] ولم يقل : لنا - سواء، ومن شكله ) ) إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ( ) [ الفتح : ١ ] فلا ينبغي المسارعة إلى أنكار شي يمكن توجيهه، بل يتعين إمعان النظر، فإن الأمر كما قال الإمام أبو الفتح بن جني في كتابه المحتسب في توجيه ) ) لما يهبط من خشية الله ( ) [ البقرة : ٧٤ ] أن كلام العرب لمن عرفه - ومن الذي يعرفه ؟ - ألطف من السحر، وأنقى ساحى من مشوف الفكر، وأشد تساقطاً بعضاً على بعض، وأمسّ تسانداً نفلاً إلى فرض ) تحيتهم ) أي فيما بينهم وتحية الملائكة لهم ؛ والتحية : التلقي بالكرامة ف المخاطبة، فهي إظهار شرف المخاطب ) فيما سلام ) أي عافية وسلامة وبقاء، وقول من كل منهم للآخر : أدام الله سلامتك، ونحو هذا من الإخبار بدوام العافية، كما أن حال أهل الباطل في النار عطب وآلام.
إبراهيم :( ٢٤ - ٢٦ ) ألم تر كيف.....
) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَآءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ ( ( )
ولما تقرر بما مضى أن الحق ما قاله الله أو فعله أو أذن فيه، وأن الباطل ما كان على غير أمره مما ينسب إلى الشيطان أو غيره من قول أو فعل، وأنه لا يصلح في الحكمة أن ينفي الحق ولا أن يبقى الباطل ) ) إن الله لا يصلح عمل المفسدين ( ) [ يونس : ٨١ ]، ) ويحق الله الحق بكلماته (، ) ) ليحق الحق ويبطل الباطل ( ) [ الأنفال : ٨ ]، وقص سبحانه كلام أوليائه الذي هو من كلامه، فهو أثبت الأشياء وأطيبها وأعظمها ثمرة، وكلام أعدائه الذي هو من كلام الشيطان، فهو أبطل الأشياء وأخبثها، قرب سبحانه ذلك بمثل يتعارفه المخاطبون فقال :( ألم تر ) أي يا من لا يفهم عنا هذا المثل حق الفهم سواه ) كيف ضرب الله ) أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ) مثلاً ) أي سيره بحيث يعم نفعه ؛ والمثل : قول سائر يشبه فيه حال الثاني بالأول ؛ ثم بينه بقوله :( كلمة طيبة ) أي جمعت أنواع الكرم فليس فيها شيء من الخبث، وتلك الكلمة ) كشجرة طيبة (.


الصفحة التالية
Icon